يقف الكثير عاجزا عن اتخاذ القرار الذي يراه صائبا، أمام ما يراه من تراجع متدرج ومستمر لأسعار الأراضي والعقارات، سواء المطورين “الذين لا يملكون أراضي”، أو حتى المستهلكين، ذلك أن النوع من المطورين غير المالك لمخزون أراض، سيتخذ موقفا أكثر حذرا مقارنة بغيره، لما يمثله بند الأرض من وزن نسبي ثقيل جدا ضمن بنود التكاليف التي يتحملها، وأن أي انخفاض فيها بنسب تفوق 10 في المائة في الأجل القصير، لا شك أنه سيشكل مخاطرة عالية جدا على المطور حينما يحين توقيت بيع منتجاته، الذي قد يأتي في ظل أسعار سوقية أدنى بكثير مما كان مخططا له سابقا، وتتعاظم المخاطر عليه متى ما كان معتمدا بصورة أكبر على تمويل نشاطه من التمويل العقاري.
والحال ذاته بالنسبة للمستهلك النهائي، الذي قد يتورط في تحمل قروض عقارية طائلة لقاء شرائه أرضا أو عقارا، سرعان ما سيجد نفسه يسدد أعباء أقساط طائلة لقاء أصل عقاري تهاوت أسعاره السوقية عاما بعد عام، ليجد نفسه أمام خيارين أحلاهما أَمَرُّ من الثاني، إما أن يتوقف عن السداد فيخسر أمواله التي دفعها طوال الفترة الماضية، وإما أن يستسلم للأمر الواقع ليستمر في دفع المستحقات المالية عليه حتى آخر قسط مستحق.
دع عنك كبار الملاك أو المضاربين، الذين قد يكون القرار أخف وطأة عليهم مقارنة بغيرهم، ذلك أن كبار ملاك الأراضي ومكتنزيها تعتبر تكلفة تملكهم منخفضة جدا مقارنة بالأسعار الراهنة التي تشهد انخفاضا خلال المرحلة الراهنة، أو حتى المستويات الأدنى منها التي يتوقع انخفاضها مستقبلا، كما أن لديهم مرونة أكبر في التخارج متى شاءوا بأية أسعار منخفضة، ولتقريب ذلك إلى فهم القارئ الكريم؛ بافتراض وجود أرض تكلفة مترها المربع على مالك الأرض بين 50 و 100 ريال فقط للمتر، فلا يشكل انخفاض أسعارها السوقية في الوقت الراهن من ألفين إلى 1800 ريال للمتر، لا يشكل ذلك الضغط، حتى إن انخفض سعرها السوقي إلى ما دون تلك المستويات بنسب أكبر! إذ ما زال محققا للأرباح طالما الأسعار السوقية مستقرة فوق مستويات التكلفة عليه، ويستثنى من ذلك من رهن أرضه مقابل الحصول على ائتمان مصرفي، وهو ما لا تكاد نسبته تُذكر مقارنة بالشريحة الأكبر من ملاك الأراضي.
أما بالنسبة للمضاربين فقد يكون الأمر أصعب مقارنة بملاك أو مكتنزي الأراضي، إلا أنه لا يصل إلى درجة المخاطرة التي تقع على المطورين أو المستهلكين، وقد يكون التوقف عن الشراء حتى تهدأ عاصفة الانخفاض وتستقر الأسعار نسبيا، هو القرار الأقرب حدوثه بالنسبة لهذه الشريحة، وفي الوقت ذاته لا يمكن إغفال احتمال تعرض شريحة من المضاربين بالأراضي إلى خسائر، وقد تكون فادحة أيضا؛ بحال توافر لدى الشريحة مخزون كبير من الأراضي لم يستطع التخارج منه، أو استمر البعض الآخر من المضاربين على الأراضي في عمليات الشراء دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت وتطرأ على السوق، فلا شك أن هذه الشريحة ستكون عرضة أكثر من غيرها لتحمل خسائر فادحة جدا.
لم يصل بعد الموقف بالنسبة للمطورين أو المستهلكين إلى المستوى البالغ التعقيد، الذي قد يهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي على حد سواء، على الرغم من وجود تلك الأصناف بيننا في الوقت الراهن، إلا أنها لا تشكل بحجمها البالغ 220.5 مليار ريال “13.5 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية” حتى نهاية 2016 خطرا كبيرا على استقرار القطاع التمويلي، ويمكن لمؤسسة النقد التعامل معه بعديد من الأدوات التي تحد من أخطاره وآثاره السلبية على الاستقرار المالي بالدرجة الأولى، والاستقرار الاقتصادي بالدرجة الثانية. إنما الحذر الأكبر أن تتنامى إلى أعلى من تلك المعدلات الراهنة، كأن تصل إلى أعلى من 30 في المائة إلى 40 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية، وهو ما تم وما زال التحذير من حدوثه قائما طوال الأعوام الثلاثة الماضية، لما يحمله من مخاطر كارثية على الاستقرارين الاقتصادي والمالي، وحدوث ما لن تحمد عقباه على كل المستويات دون أدنى شك، وهو مع الأسف ما لم يُنظر إليه بعين الاعتبار اللازم حتى تاريخه من قبل كل الأطراف المعنية بأزمة الإسكان والسوق العقارية المحلية.
ختاما؛ تبقى مسؤولية تحقيق الإجابة عن سؤال المقال “كيف تشتري أرضا أو مسكنا في اتجاه هابط للأسعار؟”، واقعة بكاملها على كاهل المطور والمستهلك النهائي، وذلك من خلال المدخل التالي: إن اتجاهات المستقبل بالنسبة للسوق العقارية، قد أصبحت أكثر وضوحا من قبل، وإن جزءا من الغموض الذي أحاط بمستقبلها طوال الأعوام الثلاثة الماضية قد ذهب، وإن الأسعار قد اختارت التنازل عن مستوياتها المتضخمة التي وصلت إليها سابقا، وبدأت تسجل تراجعات فترة بعد فترة، وعليه يمكن للمطور وللمستهلك أن يحدد بنفسه درجة المخاطرة التي يستطيع تحملها ساعة اتخاذه قرار الشراء! بأن يقوم بنفسه بتحديد نسبة خصم حالية في السعر السوقي الذي أمامه، بالنسبة التي يرى أنها قادرة على تحمل أي انخفاضات تليها خلال الثلاث إلى الخمس سنوات، وبناء عليه يمكن أن يتخذ قراره بالشراء والاعتماد أيضا على تمويل قراره من المؤسسات التمويلية.
فإذا قام المطور أو المستهلك النهائي بخصم السعر بنسبة تراوح بين 30 في المائة و50 في المائة، ونجح في تحقيق ذلك خلال المرحلة الراهنة، فلا شك أنه قد جنب نفسه مخاطر كبيرة جدا في منظور الأعوام المقبلة، سواء أمام الممولين أو أمام المشترين المحتملين بالنسبة للمطور، وفي الوقت ذاته كما تمت الإشارة إليه أعلاه؛ إن نسبة أغلب ملاك الأراضي لا تتجاوز تلك الانخفاضات السعرية حتى إن وصلت إلى 50 في المائة أو أعلى منها إلا انخفاضا في هامش الأرباح!
إنها الاستراتيجية الأمثل المفترض أن يتبعها المطور أو المستهلك النهائي في المرحلة الراهنة، التي تشهد مسارا هابطا للأسعار، يظن أنها ستكون كفيلة بحمايته إن شاء الله من المخاطر المشار إلى بعضها أعلاه. والله ولي التوفيق.
17 مايو 2017