يقدر أن يصل حجم التمويل العقاري الممنوح للأفراد بنهاية الربع الأول 2019 إلى نحو 168 مليار ريال، مسجلة نموا سنويا يناهز 22 في المائة، مقارنة بمستواها للربع نفسه من العام الماضي “138.2 مليار ريال”، بمعنى أن التمويل العقاري في يد الأفراد قد شهد زيادة فاقت 30.3 مليار ريال، وكل ذلك قياسا على الزيادة المطردة في إجمالي عقود التمويل التي تنشرها شهريا مؤسسة النقد العربي السعودي.
كما يقدر أن يتزامن ذلك الارتفاع المطرد في حجم التمويل العقاري، بالزيادة في أعداد المقترضين من الأفراد، ليصل بنهاية الفترة نفسها من العام الجاري إلى نحو 247.6 ألف مقترض، مسجلا نموا سنويا بلغ 39.2 في المائة، أي بزيادة عددية فاقت 69.7 ألف مقترض من الأفراد.
تأتي تلك التطورات ضمن برامج تستهدف رفع نسب تملك الأفراد مساكنهم خلال الأعوام القليلة المقبلة، بالطبع فإن تحقيق هذا الهدف سيقترن أيضا بزيادة مطردة في أعداد المقترضين من الأفراد كقروض عقارية، وهما الأمران اللذان لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضا، وكما أن تسهيل إجراءات حصول الأفراد على التمويل العقاري اللازم لأجل تملك مساكنهم، يحمل معه فرصا مهمة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا لأجل تحقيق هدف رفع نسب تملك المساكن، فهو أيضا قد يحمل معه جوانب سلبية في الوقت ذاته إذا اقترن ذلك بتضخم أسعار الأصول العقارية المختلفة، ما يؤكد بصورة أساسية الضرورة القصوى لاتخاذ السياسات والتدابير والإجراءات اللازمة والكافية لمنع حدوث ذلك، حماية لمقدرات الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء.
معلوم أن فترات سداد التمويل العقاري تمتد من 15 سنة إلى 25 سنة، وأن نسب استقطاعها من الدخل الشهري للفرد المقترض كما هو قائم الآن تراوح بين 50 في المائة و65 في المائة، حتى مع الأخذ في الحسبان النمو السنوي المستمر لدخل الفرد طوال فترة السداد الطويلة، ستظل نسب الاستقطاع تلك مرتفعة، وستكون لها آثار ثقيلة في مستوى معيشة الأفراد المقترضين، التي رغم ثقلها وأهمية إيجاد حلول ماسة لها، إلا أن الآثار الكلية المحتملة لاتساع دائرة التمويل العقاري، وشموله أعدادا كبيرة من الأفراد ستتجاوز سقف 1.3 مليون مقترض في منظور الأعوام القليلة المقبلة، وفي حال حدث عاد التضخم إلى أسعار الأراضي والعقارات في غياب أي سياسات وضوابط تحد منه وتمنع وقوعه، فلا شك على الإطلاق في أن الآثار الكلية لزيادة التمويل العقاري ستأتي عكسية، وقد تصل إلى مستويات لا يمكن تجاهلها أبدا، ما يقتضي بالضرورة القصوى التصدي لها بحزم وجدية من الآن.
يمكن تصور المستقبل القريب “حتى عام 2022” لما تم الحديث عنه أعلاه، وفق ثلاثة سيناريوهات أساسية؛ الأول: أن يتنامى حجم التمويل العقاري للأفراد بالتزامن مع “استقرار” أسعار الأراضي والعقارات، وهو الأمر المستبعد حدوثه في ظل عدم تغير الأوضاع الراهنة في السوق العقارية، وكما سبق توقعه أن ترتفع أعداد المقترضين بنهاية الفترة إلى أعلى من 1.3 مليون فرد مقترض، بإجمالي قروض عقارية قد تتجاوز 593 مليار ريال “نمو 284 في المائة مقارنة بنهاية 2018″، وبإضافتها إلى بقية أنواع القروض المصرفية على الأفراد سيصل الإجمالي بنهاية الفترة نفسها إلى نحو 982 مليار ريال، أي ما يشكل من الناتج المحلي غير النفطي تقديريا أعلى من 39.2 في المائة، ونحو 79.0 في المائة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص بحلول نهاية 2022.
السيناريو الثاني: أن يتنامى حجم التمويل العقاري للأفراد مع “ارتفاع” أسعار الأراضي والعقارات، بافتراض أن نسبة الارتفاع لن تتجاوز 30 في المائة مقارنة بأسعار العام الجاري، وتحت العدد نفسه المتوقع للمقترضين “1.3 مليون فرد مقترض”، يتوقع أن يرتفع حجم القروض العقارية بنهاية الفترة إلى نحو 972 مليار ريال “نمو 528 في المائة مقارنة بنهاية 2018″، وأن تصل مع بقية أنواع القروض المصرفية على الأفراد إلى نحو 1.4 تريليون ريال، وهو ما سيشكل من الناتج المحلي غير النفطي تقديريا أعلى من 55.0 في المائة، ونحو 111.0 في المائة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص بحلول نهاية 2022.
السيناريو الثالث: أن يتنامى حجم التمويل العقاري للأفراد مع “انخفاض” أسعار الأراضي والعقارات، بافتراض اتخاذ السياسات والتدابير اللازمة والكافية، التي تقضي على تشوهات السوق العقارية، لعل من أهمها استكمال تنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وألا تتجاوز نسبة الانخفاض في الأسعار 30 في المائة مقارنة بأسعار العام الجاري، وتحت العدد نفسه المتوقع للمقترضين “1.3 مليون فرد مقترض”، يتوقع أن يرتفع حجم القروض العقارية بنهاية الفترة إلى نحو 367 مليار ريال “نمو 137 في المائة مقارنة بنهاية 2018″، وأن تصل مع بقية أنواع القروض المصرفية على الأفراد إلى نحو 733 مليار ريال، وهو ما سيشكل من الناتج المحلي غير النفطي تقديريا نحو 29.0 في المائة، ونحو 58 في المائة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي الخاص بحلول نهاية 2022.
سيتم التوسع بتفصيل أكبر وأدق في مقال آخر – بمشيئة الله تعالى – عن آثار ما تقدم ذكره أعلاه، لكن من الأهمية هنا التأكيد بشكل عام على النطاق المستقبلي المنتظر، الذي يبدأ من زيادة الفرص مقابل انخفاض المخاطر عند السيناريو الثالث “انخفاض الأسعار”، إلى نقيضه تماما عند السيناريو الثاني “ارتفاع الأسعار” الذي تفوق عنده المخاطر أي فرص محتملة.
أذكر في مقدمة تلك المخاطر على عجالة “سيتم التوسع حولها في المقال المقبل”، أن زيادة استقطاع أعلى من 50 في المائة من الأجور الشهرية للأفراد، لفترات سنوية تصل إلى 20 عاما، ستخلف آثارا ثقيلة جدا على الإنفاق الاستهلاكي الخاص، الذي سينتقل أثره السلبي إلى عموم منشآت القطاع الخاص، وكيف أن إيراداتها ستنخفض بنسب تفوق قدرتها على التماسك والصمود، ما قد يضطرها بالتزامن مع عودة الارتفاع في تكلفة الإيجارات عليها، إما إلى الاستغناء عن شرائح واسعة من عمالتها الوطنية، أو قد تضطر إلى إيقاف نشاطها، وكلا الأمرين سيؤديان بكل تأكيد إلى ارتفاع معدل البطالة، وانخفاض النمو الاقتصادي، عدا ما سيشكله ذلك في حال كان جزءا من تلك العمالة الوطنية يتحمل قرضا عقاريا لأجل تملك مسكنه، الذي يعني بدوره زيادة انكشاف القطاع التمويلي على مزيد من تعثر المقترضين، وهي آثار السيناريو التي لا قبل لأي كائن من كان بتحملها، بمن فيهم حتى تجار الأراضي والعقارات. وللحديث بقية أهم بكثير من كل ما تم التطرق إليه أعلاه. والله ولي التوفيق.