أظهر أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء منتصف هذا الأسبوع تسجيل التضخم انخفاضه الثامن على التوالي (1.1 في المائة)، متأثرا بالدرجة الأكبر بانخفاض تكلفة بند الإيجار المدفوع للسكن للشهر الـ26 على التوالي بنسبة 7.4 في المائة، ومسجلا انخفاضا سنويا عن الأشهر الثمانية الأول من العام الجاري وصل إلى 9.2 في المائة، ويعد الانخفاض السنوي الأكبر في تكلفة الإيجارات السكنية منذ عام 1988.
وهو الأمر الذي يحمل معه إيجابيات عديدة بالغة الأهمية، ستؤدي مجتمعة إلى المساهمة في انخفاض تكلفة المعيشة على أفراد وأسر المجتمع من مواطنين ومقيمين على حد سواء، إضافة إلى أنها ستؤدي إلى استمرار انخفاض التضخم الراهن في الأسعار السوقية للوحدات السكنية الذي سيؤدي بدوره إلى انخفاض تكلفة التمويل العقاري عن كاهل كثير من المواطنين الذي سيتملكون مساكنهم خلال الفترة الراهنة ومستقبلا بالاعتماد على ذلك النوع من أنواع التمويل العقاري، الذي سيؤدي بدوره إلى تسريع مسار تملك كثير من شرائح المجتمع السعودي مساكنهم بأسعار وتكاليف أدنى بكثير مقارنة بالأعوام الماضية.
وبالنظر إلى العوامل أو الأسباب التي وقفت خلف تلك التطورات الإيجابية فيمكن حصرها في التالي: الزيادة الكبيرة التي طرأت على المساكن الشاغرة نتيجة ضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة خلال الأعوام الأخيرة، إضافة إلى خروج أكثر من ثلاثة ملايين فرد من العمالة الوافدة وأسرهم خلال العامين ونصف العام الأخيرين، الذي زاد بدوره من المساكن الشاغرة، بالتزامن مع تسارع وتيرة إخلاء المواطنين وأسرهم مساكنهم المستأجرة وانتقالهم إلى مساكنهم الجديدة التي تملكوها، خاصة خلال ما مضى من العام الجاري، الذي أسهم بدوره في زيادة عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الشاغرة المعروضة للإيجار السكني.
أسهمت وستسهم كل تلك التطورات المتسارعة في إحداث مزيد من الضغوط على المستويات المتضخمة للأسعار، وجاءت الخطوة الأخيرة والمهمة جدا التي قامت بها وزارة الشؤون البلدية والقروية بالعمل على ألا تتجاوز مدة الترخيص الفسح لتطوير مخططات الأراضي سقف 60 يوما، وهي الخطوة التنظيمية التي تعد واحدة من أهم الإجراءات المؤدية إلى الإسراع بضخ عشرات الملايين من الأراضي المخططة والجاهزة للبناء، الذي سيسد بدوره من الفجوة الكبيرة السابقة في السوق العقارية المحلية، بين حجم الطلب الإسكاني الكبير من جهة، مقابل شح العرض من الأراضي المطورة والجاهزة للانتفاع والتطوير والاستخدام، كانت تلك الفجوة أحد أكبر الأسباب التي أسهمت في الارتفاع والتضخم المستمر للأسعار السوقية للأراضي والعقارات.
إن ما تشهده السوق العقارية خلال الفترة الراهنة، من تدافع كبير وواسع جدا على مستوى تطوير مساحات شاسعة من مخططات الأراضي السكنية، وزيادة أكبر في التشييد والبناء، وضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية، وزيادة شاملة في الخيارات الإسكانية أمام قوى الطلب التي تشهد كما يحدث خلال الفترة الراهنة انخفاضا من مرحلة زمنية إلى أخرى، يؤكد بتوفيق الله أن مجريات السوق العقارية تسير في الاتجاه الذي يخدم متطلبات الأفراد والأسر، وأننا مع كل مرحلة زمنية إلى أخرى سنلاحظ تضعضع مستويات الأسعار والإيجارات على حد سواء، وأن ما جناه المجتمع من انخفاض في الأسعار والإيجارات “الذي عد أدنى من المأمول بكل تأكيد”، يتجه إلى مزيد من المكاسب ممثلا في مزيد من انخفاض كل من الأسعار والإيجارات بإذن الله تعالى.
تعني هذه الوتيرة من انخفاض الأسعار والإيجارات أن الوقت ينحاز تدريجيا لمصلحة الباحث عن تملك مسكنه، فتحت تراجع تكلفة الإيجار على كاهله، ومنحه مرونة أكبر من حيث تدابيره المعيشية، وأمام ارتفاع المعروض من الأراضي والوحدات السكنية المتعددة والمتنوعة، عدا ارتفاع جودة البناء وفقا للضوابط المعمول بها الآن خلاف الوحدات السكنية التي غلبت عليها رداءة البناء والتصميم، كل ذلك يعني مزيدا من المكاسب بالنسبة إليه سواء من حيث مستويات الأسعار الآخذة في الانخفاض عاما بعد عام، أو من حيث ارتفاع جودة البناء والتصميم.
لهذا يظل الخيار الأفضل أمام هذا الفريق، عدم الاستعجال والتأثر الخاطئ بما قد يخدعه من التقلبات الراهنة في السوق، وأن مزيدا من اطلاعه على معلومات وتطورات السوق التي تحاول بعض الأطراف المستفيدة من تسرعها وتعمد إخفائها عنه ما سيوقعه في اتخاذ قرارات قد يندم عليها طوال أعوام طويلة مقبلة، وأن التأني ودراسة أي قرار لشراء مسكن العمر بالنسبة إليه هو الخيار الأكثر أمانا له ولأسرته.
فيما سنجد العكس تماما على جانب العرض الذي يشهد سباقا محموما سواء على مستوى اتساع رقعة تطوير مخططات الأراضي، أو على مستوى زيادة الوحدات السكنية الجديدة المتنوعة وذات الجودة، أو حتى على مستوى الصراع الدائر الآن بين ملاك الوحدات السكنية المعروضة للبيع، والقائم بين أصحاب الوحدات السكنية التي مضى على بنائها عام فأكثر ولم يتم بيعها حتى تاريخه، وتلك الوحدات السكنية الجديدة التي يتم ضخها شهرا بعد شهر، والخيار المتاح أمام هذا الفريق إذا أراد الخروج بأقل الأضرار، لا ولن يخرج عن كسب المشترين بأقل الأسعار المنافسة في السوق، أو سيفوته القطار ولن ينفعه الندم بعد فوات الأوان وهي الحقيقة المرة التي ذاق ويلاتها كل من حاول الالتفاف عليها لكن دون جدوى. والله ولي التوفيق.