أحسنت صنعاً وزارة الإسكان بشراكتها مع التحالف الكوري الجنوبي السعودي لتطوير ضاحية سكنية في الرياض تضم مئة ألف وحدة سكنية تطور على مدى عشر سنوات مقبلة، وفي الواقع ان هذه الاتفاقية تدعو للتفاؤل خصوصاً أن التجربة الكورية تعتبر تجربة ثرية ومشجعة في إنشاء الإسكان وتطوير الضواحي السكنية فحجم التنمية العمرانية المهول الذي تم في كوريا حدث في وقت قياسي حيث ان بعض مشروعات الاسكان الضخمة قد منحتها الدولة للقطاع الخاص ونفذها في فترة وجيزة لا يتجاوز 3 سنوات، فتوجه الوزارة للاستفادة من الشركات الكورية التي تتمتع بخبرات ناجحة وكفاءة عالية في تخطيط وتصميم وتنفيذ الضواحي السكنية هو أمر إيجابي ومحفز قوي.
إن مدن الضواحي السكنية التي أقامتها الحكومة الكورية حول سيئول العاصمة أثبتت نجاحها على الرغم من حداثة عهدها، فمدينة سيئول التي شهدت نمواً سكانياً وعمرانياً كبيراً لم تعد تستوعب معه المزيد من الكثافة السكانية التي تحتاج مساحات للسكن ومشروعات اقتصادية جديدة توفر وظائف للسكان، اختارت التوجه نحو تطوير الضواحي حيث تم إنشاء خمس ضواحٍ حول سيئول بالشراكة مع القطاع الخاص لكلٍ منها دور وظيفي واقتصادي محدد، وتم استصدار قرارات تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في مدن الضواحي حول سيئول لتخفيف الهجرة السكانية إليها، وتوفير الأراضي وتأجيرها على القطاع الخاص ومن الشواهد المبهرة في تجربة سيئول أن إحدى تلك الضواحي وهي ضاحية سونغدو التي تبلغ مساحتها حوالي 53 كم مربعا، قد خططت وطورت وأصبحت مأهولة بالسكان خلال ثماني سنوات فقط! وأصبح لها وظيفة اقتصادية هامة حيث تعد مركز اقتصاد وأعمال عالميا هاما في مجال التجارة الدولية وتكنولوجيا المعلومات وتضم مناطق سكنية وتجارية وخدمات وصناعة تقنية و40% من مساحتها مناطق مفتوحة وتشكل نموذجا للمدينة المستدامة من خلال تطبيقها لتقنيات الترشيد في الطاقة واعادة الاستخدام للموارد، وارتبط نجاح هذه الضاحية بشكل رئيسي في موقعها كونها توجد بالقرب من المطار بالإضافة إلى قيامها على أنشطة اقتصادية تتكامل مع وظيفة المطار والمنطقة التجارية الحرة.
أيضاً ضاحية شونغرا التي تبلغ مساحتها 17.8 كم مربعا، وتعتبر إحدى المناطق الرئيسية الثلاث المكونة لمنطقة التجارة الحرة بانتشون، وكان الغرض من انشائها توفير بيئة سكن وعمل معاً بحيث توفر وظائف ومساكن حديثة ذات طابع عمراني متميز ومستدام وبنية تحتية ذات جودة عالية وبيئة نقية، يتمثل النشاط الاقتصادي الرئيسي لها في المعاملات المالية وصناعة السيارات المتقدمة والليزر.
وفي المجمل والمختصر أرجو أن نستفيد من التجربة الكورية بتطبيقها على المستوى المحلي وأن نأخذ بعين الاعتبار أهم المرتكزات التي كانت السبب الرئيس في نجاح الضواحي السكنية في كوريا الجنوبية وهي بالتحديد تتمثل في الوقت القياسي للتخطيط والتنفيذ، والقرب من محاور الحركة الرئيسية والارتباط بخطوط ومحطات النقل العام في المدن الرئيسة والقرب كذلك من مواقع الأنشطة الاقتصادية المولدة للوظائف، ووجود القاعدة الاقتصادية المتنوعة بحيث تشمل الأنشطة فيها قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة التي تولد فرص العمل داخل الضواحي وتتكامل مع الإسكان والخدمات.