
بعد سبعة عقود من دخول نموذج الفيلا السكنية إلى البيئة العمرانية للمدينة السعودية، عبر مشروع أرامكو لإسكان موظفيها السعوديين في بداية السبعينات من القرن الهجري الماضي، واستلهام هذا النموذج في منتصف ذلك العقد بمشروع إسكان الموظفين الحكوميين في حي الملز بمدينة الرياض، ومن ثم انتشار هذا النموذج في كافة مدن المملكة، وترسيخه عبر ضوابط البناء في أحيائها السكنية، شرعت وزارة الشؤون البلدية والقروية من الناحية العملية لإنهاء هذه الحقبة، وذلك من خلال إعلانها الأسبوع الماضي السماح بالبناء في الارتدادات للفيلات جهة المجاورين، وتلاصق الملحق الخارجي بمبنى الفيلا.
واشتراط تحقيق الحد الأدنى من الارتدادات في المباني السكنية فيلات أو عمارات سكنية، أو حتى غيرها من المباني الأخرى، هو في الواقع جزء من منظومة اشتراطات مرتبطة فيما بينها ضمن ما يعرف لدى مخططي المدن، والمختصين في تنميتها عمرانياً، بنظام تقسيم المناطق (zoning regulation)، الذي يمثل أحد أدوات تنفيذ مخطط التنمية العمرانية في العديد من مدن العالم، ووسيلة من وسائل تطبيق الحد الأدنى من المقاييس الخاصة بحجم التنمية على الأراضي، وإقامة المباني عليها، وبالذات في الأنظمة الاقتصادية التي تشكل فيها الأرض سلعة تجارية، كما هو الحال بمدن المملكة.
اجتزاء هذا العنصر أو الاشتراط (الارتدادات) عن بقية العناصر والاشتراطات الأخرى في نظام تقسيم المناطق، والتعامل معه بشكل منفرد، لم يكن في اعتقادي إجراء موفق من قبل الجهة التي أعدت مقترح تعديل الارتدادات القائمة في الفيلات السكنية، فكما هو معروف أن نموذج الفيلا السكنية، يتميز عن غيره من الوحدات السكنية الأخرى بصفتين أساسيتين، الأولى أنها تمتلك فراغاً خارجياً (outdoor space) والثانية أنها مخصصة لسكن أسرة واحدة فقط، وليس لإقامة أسر متعددة (مبنى شقق سكنية)، بالتالي حين الأخذ بالتوجه الذي أعلن عنه، فيما يتعلق بالسماح بتعديل الارتدادات في الفيلات القائمة، فإن الفراغ الخارجي لهذه الفيلات سيتم تقليصه ليصبح (30 %) فقط من مساحة الأرض.
الأمر الآخر والأهم في اعتقادي هو أن معامل مساحة الأدوار في هذه الفيلات (FAR)، وهو عنصر أساس من العناصر ذات العلاقة في منظومة ضوابـط واشتراطات نظام تقسيم المناطق، ويدعم هنا ما أدعو إليه من أهمية المراجعة الشاملة وليس الجزئية لهـذا النظـام، سـيرتفع مـقداره ليصبـح (1.6)، وهـو ما يعني ارتفـاع الكثافة السكنية في أحيـائنا من منخفضة إلى متوسطة، حيث إن مسطح المباني التي سيسمح بإقامتها على الحد الأدنى من مساحة قطع الأراضي في المخططات السكنية، سوف يصل إلى (800م2)، وهو إجمالي مسطحات بناء يتجاوز بكثير احتياج أسرة واحدة، بل يكفي في الواقع لعدة أسر، ولكون الأرض لدينا تمثل سلعة تجارية، سيؤدي هذا الأمر من الناحية العملية إلى تحويل نسبة جوهرية من هذه الفيلات مع مرور الوقت إلى مبانٍ سكنية ذات أسر متعددة، ومن ثم سيتضاءل إن لم يختفِ نموذج ما نطلق عليه فيلا في أحيائنا السكنية، هذا بالطبع خلاف تبعات هذه الزيادة المفاجئة في الكثافة السكنية على شبكة أجهزة المرافق والخدمات في الأحياء السكنية بمدن المملكة، من مياه وكهرباء وصرف صحي وتعليم وخلافها، الذي لا أعلم إن كانت هذه الأجهزة على إلمام مسبق بتلك التعديلات.