مما تظهره بيانات إعداد طلبات الدعم السكني في المملكة، أن النسبة الأعلى من تلك الطلبـات، التي ربما جاوزت السبعين في المئة، تأتي من المدن الكبرى ذات التركز السكاني، وبالذات الريـاض وجدة والدمام، التي ظلت على مدى أربعة عقود وما زالت إنما بمعدلات أقل تستقطب الهجرة والاستقرار بها من قبل مواطنين ولدوا ونشؤوا في المحافظات والمناطق المحيطة بها، ومن خارجها أيضاً، ففي العاصمة الرياض أكبر مدن المملكة في تعدادها السكاني، وفقاً لدراسة عن السكان في المدينة، أجرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بلغت نسبة الأسر المهاجرة ممن لم يولدوا أو ينشؤوا بها قرابة نصف سكان المدينة.
هذا النزف السنوي من سكان المدن الصغيرة والمتوسطة إلى المدن الكبيرة له تبعاته التنموية على كلا الجانبين، ففي المدن التي يتم الهجرة منها يتراجع النمو السكاني حتى يصل أحياناً إلى أرقام سالبة الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الكلفة الاقتصادية لتشغيل المرافق والخدمات القائمة بها، وتراجع العامل الأساسي المحفز للتنمية المستقبلية بها وهم السكان، وذات الأثر التنموي أيضاً على المدن الكبيرة ولكن على نحو آخر وهو عدم قدرة أجهزة المرافق والخدمات على ملاحقة النمو السكاني وتلبية طلباته، وربما تدني مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأسر في تلك المدن نتيجة التنافس على فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة بل وازدياد تكاليف المعيشة مع النمو السنوي الحاد في عدد السكان.
برامج الإسكان لدينا قد تكون من العوامل التي تساعد وتسهم في وقف هذا النزف للسكان وهجرتهم من المدن الصغيرة والمتوسطة تجاه الاستقرار في المدن الكبيرة، من خلال ما يمكن أن تتضمنه من حوافز وعناصر جذب للمدن التي تعاني من تراجع في نمو سكانها، ومن تلك الحوافز على سبيل المثال تخفيف الشروط على مستحقي الدعم السكني ممن يرغبون بشكل جاد في العودة والاستقرار بموطن ولادتهم ونشأتهم، الأمر الذي يشجعهم بالتالي في الحصول على المسكن المناسب هناك، أو ربما منحهم الأراضي السكنية إضافة إلى القرض السكني، أو الإعفاء من نسبة معينة من القرض السكني، أو عدم فرض قيود على تحمل تكاليف سداد القرض السكني، ونحوها من الحوافز التي يمكن أن تعمل على المدى الطويل في إعادة التوازن السكاني بين مدن المملكة ومناطقها، وهو بالمناسبة توجه تعمل به العديد من الدول.