الثغرات الموجودة في عملية استخراج صكوك الأراضي استغلها البعض في عمليات التحايل والنصب فأثر ذلك على مشكلة الإسكان في ظهور الاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل.
نشرت الوطن في الأسبوع الفائت تقريرا صحفيا عن قيام وزارة العدل بإصدار قرارات «تقضي بإيقاف 8 صكوك مزورة في منطقة الرياض، تم استخراجها على أراض حكومية بمساحة إجمالية قدرها 352 مليونا و316 ألف متر مربع، وإحالة ملف القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وإحالة الصكوك إلى محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض، للنظر فيها وفق الوجه الشرعي والنظامي»، وقد تم كشف هذه الصكوك المزورة من خلال إجراءات الرقابة الإلكترونية، حيث اتضح أنه ليس لها ضبط أو سجل أو أساسات منح، و«تم استخراجها باسم كاتب عدل منتقل من وزارة العدل منذ 25 عاما، وتمريرها على كتابة العدل لاستخراج صكوك حديثة عليها!.
قضايا تزوير الصكوك في كتابات العدل تطرح علامات استفهام كثيرة حول كيفية تزوير هذه الصكوك وكيفية إصدارها، لأنه من خلال متابعة هذه القضية يتضح أن هناك إشكالية معقدة، تتمثل في نظامية إصدار الصكوك نفسها، وقد يستغرب القارئ الكريم كيف تكون هذه الصكوك مزورة ونظامية في نفس الوقت!.
نعم هذه الصكوك قد تكون سليمة من الناحية الإجرائية والنظامية، لكنها في نفس الوقت ليس لها أساس أو سند قانوني واضح، ومن هنا تنشأ عملية التزوير والتحايل، فالعديد من المواطنين يتفاجؤون بوجود أكثر من صك نظامي على الأرض الواحدة، وقد تكون هذه الأرض من ضمن أملاك الدولة في الأساس، وليس هذا فحسب، بل إن بعض الجهات الحكومية مثل الأمانات والبلديات قد وقعت أيضا في هذا الفخ، فتقوم باستثمار أراض وتأجيرها وهي في الأساس مملوكة لمواطنين!.
عندما كنت أتجول في مدينة الرياض وأرى تلك المخططات الكبيرة والأراضي الشاسعة والتي تطرحها الشركات العقارية، كنت أتساءل عن كيفية حصول تلك الشركات على تلك الأراضي وامتلاكها ومن ثم بيعها.. فهل هي أراضي منح للمواطنين تم بيعها على تلك الشركات فيما بعد؟ ولكن أراضي المنح ممنوع بيعها نظاما، وبالتالي هل تلك الأراضي تعتبر من الأملاك الخاصة؟ فإذا كانت كذلك، فكيف تم امتلاك تلك الأراضي الشاسعة خارج النطاق العمراني والتي في الغالب تكون من ضمن أملاك الدولة؟.
في الماضي القريب، كانت تطرح أراض للبيع خارج النطاق العمراني في بعض مناطق المملكة كنوع من الاستثمار للمواطنين، وبأسعار رخيصة إلى حد ما، وكان شرط الحصول على الصك يعتمد على مدى قدرة المشتري على استخراجه، أي بالعامية «أنت وشطارتك»، ليتضح فيما بعد أنها أراض حكومية!.
هناك عدة عوامل مجتمعة أدت إلى وجود التحايل والتلاعب بصكوك الأراضي بشكل عام، وهي عوامل تشريعية وتنظيمية ورقابية، فهناك فراغ تشريعي يتمثل في عدم وجود قوانين واضحة ومكتوبة بالنسبة لامتلاك الأراضي وتسجيلها، بسبب الجدل القائم حول تطبيق القوانين الوضعية أو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى الاستناد إلى أحكام فقهية قديمة، مثل أحكام إحياء الأرض ووضع اليد والاكتفاء بشهادة الشهود.
أما فيما يتعلق بالعوامل التنظيمية فهي تتمثل في ضعف تخطيط المدن في الأمانات والبلديات، وعدم وجود قواعد بيانات تتعلق بالأراضي الحكومية، بالإضافة إلى عدم توحيد سجلات تسجيل الأراضي في كتابات العدل أو المحاكم، كما لا توجد إدارات مستقلة في كتابات العدل تقوم بالوقوف الميداني على الأراضي، ناهيك عن فوضى الوكالات الشرعية.
أما بالنسبة للعوامل الرقابية فهي تتمثل في تركيز صلاحيات إصدار صكوك الأراضي في وظيفة كاتب العدل، فمن خلال دراسة اللائحة التنفيذية لاختصاص كاتب العدل والصادرة بالقرار الوزاري رقم 3740 في 17/5/1425، يتضح وجود العديد من الملاحظات على نظام الرقابة الداخلي، ألخصها في النقاط التالية:
تضمن الكثير من مواد اللائحة اختصاصات كاتب العدل وكاتب الضبط وكاتب السجل، وكذلك كيفية كتابة تفاصيل التوثيق في السجلات وفق الأنظمة والتعليمات. ويلاحظ هنا وجود تركيز للصلاحيات بالنسبة لكاتب العدل، دون وجود إجراءات مراجعة أو فصل للوظائف، ومهمة كاتب الضبط مجرد مساندة وتنسيق لأعمال كاتب العدل، دون وجود ضابط رقابي لذلك، وهذا يعني إعطاء ثقة عالية جدا دون ضوابط، مما يفتح أبوابا وفرصا وإغراءات لارتكاب عملية الاحتيال.
تضمنت المادة (55) من اللائحة أن كاتب العدل يخضع للتفتيش القضائي وفقا للائحة التفتيش، وهذه اللائحة لم تتطرق بالتفصيل لكيفية مراجعة أعمال كتاب العدل، وإنما تناولت التفتيش على القضاة فقط، هذا من جانب. ومن جانب آخر، تضمنت المادة (71) من نظام القضاء، بأن تتولى وزارة العدل الإشراف المالي والإداري على كتابات العدل، والسؤال المطروح هنا: كيف يكون الإشراف الإداري من قبل الوزارة على كتابة العدل؟ وكيف يكون التفتيش القضائي من قبل مجلس القضاء الأعلى؟!.
وهذا يقتضي أن نفرق بين الجانب الشرعي والجانب الإداري في عمل كاتب العدل، وهذا يصعب تحقيقه على أرض الواقع. وهذا الازدواج قد يؤدي إلى انعدام الرقابة نهائيا على كتابات العدل، والأهم من ذلك كله يجب أن تكون هناك برامج رقابية مفصلة، سواء للتفتيش القضائي أو الإداري، ومجدولة زمنيا بشكل دوري.
بالرغم من أن المادة (9) من اللائحة قد تضمنت بعض قواعد السلوك المهني والنزاهة، إلا أنها جاءت بشكل عام ومقتضب، وهذا ما قد يفسر دخول بعض كتاب العدل في المساهمات العقارية أو شراء أراض بأسمائهم أو بأسماء زوجاتهم وأقاربهم من الدرجة الأولى، بدون أي رادع مهني، ومن ذلك على سبيل المثال التصريح بتضارب المصالح.
لا شك أن الثغرات الموجودة في عملية استخراج صكوك الأراضي استغلها البعض في عمليات التحايل والنصب، فأثر ذلك على مشكلة الإسكان في ظهور الاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل، وهذه رسالة إلى فقهاء الدين الذين أهملوا مقاصد الشريعة الإسلامية في سبيل معارضة القوانين الوضعية، والإبقاء على الأحكام الفقهية القديمة.