
هل بدأت الهجرة العكسية من المدن الى المحافظات والقرى؟ يبدو أن هذا قد بدأ بالفعل، فقبل أسابيع قرر أحد أقاربي الانتقال الى محافظة الزلفي تاركا الرياض بعد أن ولد فيها وترعرع وعمل لسنوات طويلة، واستطاع أن يرتب نقلا لوظيفته في المحافظة وهو الان يعيش هناك، والسبب الرئيس الزحام المروري وصعوبة العيش في مدينة كالرياض تعاني يوميا من هذا الكابوس المستمر رغم كثرة الطرق واتساعها وتعددها، ومع كثرة المشاريع الإنشائية التي تشهدها العاصمة هذه الأيام ومنها مشروع المترو الذي يسير على قدم وساق.
الرياض وجدة والدمام كبرى المدن تعاني من الزحام والتكدس في المركبات والبشر وتعاني من سوء التخطيط والتنظيم المستمر من القطاعات الحكومية المعنية وفي مقدمتها وزارة التخطيط التي لم تقدم شيئا يذكر طوال عقود بل تسببت في جميع المشاكل التي نعاني منها اليوم، ومعها البلديات والنقل والمرور الذي يتحمل نصف المسؤولية اليوم!.
مشاكلنا متراكمة رغم أن أفضل الطرق في العالم وأطولها موجودة لدينا والدولة اعتمدت مئات المليارات لتنمية المدن والمحافظات ولكن سوء الإدارة وعدم وجود رؤية واضحة وتخطيط أدت إلى هذا الحال، زادها كثرة الاستقدام العشوائي للعمالة وسهولة حصولهم على رخص السير وشراء المركبات المتهالكة بدون تدقيق وبأسعار زهيدة وانطلاقهم في الشوارع بدون رقابة، وكثرة الشاحنات وسيارات النقل التي تجوب المدن ليل نهار.
انتقال قريبي إلى محافظة أقل ازدحاما وأسهل حركة وفرّ له أشياء كثيرة أولها نصف قيمة إيجار المسكن والوقت والوقود، والبعد عن صخب المدينة والتلوث ورخص الأيدي العاملة والسلع والخدمات، هذه المحفزات تجعل الكثيرين يفكرون في الهجرة العكسية من المدن الرئيسة متى توفرت الفرصة بسبب مللهم من العيش في المدن والمعاناة اليومية لقضاء حوائجهم وإنجاز أعمالهم، وهناك حالات لموظفين عادوا إلى مسقط رأسهم بعد التقاعد هربا من ضوضاء المدينة.
هذه المعاناة تعيشها مدن عالمية كبرى مثل نيويورك ولندن ولوس انجلوس وطوكيو وحتى القاهرة، ورغم أن عدد سكانها أضعاف مدينة مثل الرياض إلا أن الفارق بوجود وسائل نقل مثل القطارات والباصات التي تغطي نسبة كبيرة من احتياج السكان والقادمين من خارجها يوميا للعمل فيها والعودة آخر النهار.
مدننا بحاجة ماسّة إلى إعادة تخطيط وتنظيم وإدارة الحركة المرورية ومراقبة المخالفين لتتواكب مع زيادة عدد السكان والمركبات، واليوم القسم الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق المرور الذي يعاني من غياب تام عن شوارعنا وترك الحبل على الغارب للمركبات والشاحنات للعبث في الشوارع ومخالفة الأنظمة والقوانين.
قد يكون هذا دافعا لوزارة التخطيط للعمل على إنشاء الضواحي السكنية في أطراف المدن الرئيسة وتنمية القرى والمحافظات المجاورة وإنشاء المصانع وتأسيس الشركات والمدارس والجامعات وفرص العمل، بهدف تخفيف الضغط على المدن وتوفير مساكن بأسعار أقل.