تعاني السوق العقارية منذ فترة طويلة عدم التوازن بين العرض والطلب، وهي المشكلة التي قادت إلى ارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير وقياسي غير مسبوق حتى عام 2014، وكانت المشكلة العميقة خلف هذا الاختلال في السوق تأتي من جانب الاحتكار لمساحات شاسعة من الأراضي البيضاء غير المطورة بأي شكل.
وقد قامت وزارة الإسكان بتطبيق برنامج رسوم الأراضي البيضاء في عام 2017 على عدة مراحل، بدأت بمدن الرياض وجدة والدمام، حيث أصدرت الوزارة 1500 أمر سداد رسم على أراض بيضاء، بمساحة تجاوزت 400 مليون متر مربع داخل النطاق العمراني المحدد من قبلها.
وتؤكد اللائحة التنفيذية للبرنامج على إجراء مراجعة دورية للوضع في أي مدينة، وكنتيجة لهذا العمل، فقد رصدت وزارة الإسكان عدة مخالفات لعدم التزام المكلفين بالسداد، وتم إصدار غرامات مالية على 18 أرضا مخالفة للنظام، فيما وصلت في أقصاها إلى 100 في المائة من قيمة الرسم على الأرض الذي يبلغ 2.5 في المائة من قيمة الأرض.
من خلال المقدمة السابقة، فإن تقدما ملحوظا قد ظهر على تطبيق تجربة رسوم الأراضي البيضاء، إذ إنه من بين 1500 أمر، لم يتم تطبيق المخالفات إلا على 18 أرضا، وهذه نسبة جيدة، خاصة أن هذه المخالفات تتنوع بين عدم الالتزام بتسجيل الأراضي خلال المهلة المحددة وتقديم معلومات خاطئة خلال التسجيل، أو عدم الالتزام بالسداد في الوقت المحدد، كما أن جزءا كبيرا من متحصلات الرسوم بلغ 100 مليون ريال قد تم توجيهه لاستكمال تطوير البنية التحتية في مشاريع الوزارة. وهذا التقدم في تطبيق الرسوم قد كان له أثر غير مباشر في السوق العقارية، فقد أنهت أداءها خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، على انخفاض سنوي في إجمالي قيمة الصفقات بلغت نسبته 30.9 في المائة، وبلغ إجمالي قيمة الصفقات العقارية بنهاية الفترة عند مستوى أدنى من 70.9 مليار ريال، مقارنة بمستواه المسجل خلال الفترة نفسها من العام الماضي عند أعلى من 102.5 مليار ريال، وهذا اتجاه عام لقطاعات السوق العقارية كافة.
وهنا تبرز الأسئلة الأساسية، فبينما كان من المتوقع أن تزداد وتيرة العرض في السوق العقارية مع تطبيق برنامج الرسوم ما يقدم مؤشرا على بداية حل مشكلة الاحتكار، وفي المقابل تنشط السوق مع انخفاض الأسعار نظرا لكثرة المعروض، فإن النتائج تشير إلى ركود، فالصفقات تنخفض بشكل ملحوظ، وهذه النتيجة تحتاج إلى دراسة أعمق لأسبابها، فيبدو أن تطبيق الرسوم قد بدأ يحقق جزءا من أهدافه، وهو تحقيق إيرادات وتوفير سيولة لوزارة الإسكان لاستكمال المشاريع، لكنه لم يؤت ثماره المنشودة في إصلاح خلل السوق العقارية نفسها، ولم يشكل دافعًا قويًا نحو زيادة المعروض، بل إن العكس هو الصحيح، فبينما يتوقع كثير من الناس تراجع الأسعار، فإن تراجع الصفقات هو السائد الآن، وكما يظهر، فإن كثيرا ممن يحتكرون الأراضي البيضاء يرون أن دفع الرسوم أفضل من تحرير السوق على أساس أنها ستكفئهم في نهاية المسار.
ولهذا، لا بد من إعادة تقييم المرحلة ككل، وإصلاح الخلل الكامن في البرنامج، وذلك قبل تطبيق المراحل الأخرى، لأن السوق ستتجه إلى نقطة اللاعودة، حيث إن تكلفة العقار ترتفع نتيجة تراكم قيمة الرسوم، ومعها تراكم ضريبة القيمة المضافة، ومع هذا الاتجاه الكامن في التكلفة، فإن الخلل بين العرض والطلب سيكون أكبر، وقد تتجه السوق نحو الكساد.