لم يكن قرار مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة برئاسة خادم الحرمين الشريفين، الإثنين الماضي، بفرض رسوم الأراضي البيضاء مفاجئاً، فالقرار جاء بعد كثير من الدراسة والنظر والنقاش الاجتماعي الواسع بشأن وضع الأراضي البيضاء في المملكة والأثر التراكمي الذي خلفته على الاقتصاد. ومر القرار على هيئة كبار العلماء ثم المجلس الاقتصادي الأعلى في حينه ثم تولى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هذا الملف ليستقر أمام مجلس الوزراء بعد أن أيده مجلس الشورى، وبهذا فإن الصيغة التي تمت صياغة القرار بها والمسار الذي سلكه لا يمثلان تغيرا في سياسة المملكة المالية، فالمملكة لم تكن تستهدف من خلال الرسوم زيادة إيراداتها المالية العامة؛ بل معالجة مشكلة قائمة وتصحيح مسار تنموي مهم جدا.
من هذا الباب يمكن فهم السبب وراء اعتماد القرار نظام الأموال المخصصة في تحديد مسار الأموال التي سيتم تحصيلها من هذه الرسوم. فالقرار قضى بإيداع مبالغ الرسوم والغرامات المحصلة من مخالفي النظام في حساب خاص لدى مؤسسة النقد العربي السعودي يخصص للصرف على مشروعات الإسكان وإيصال المرافق العامة إليها وتوفير الخدمات العامة فيها. وهذا هو المؤشر الرئيس نحو الهدف من الرسوم، فهي كما قلنا لم تكن تستهدف زيادة إيرادات الدولة، كما هو المتعارف عليه من مثل هذه الرسوم الضريبية، ولم تكن تلك الرسوم تحت إشراف مصلحة الزكاة والدخل؛ بل الهدف منها إصلاح الاختلال الذي أصاب السوق العقارية في المملكة وهو الخلل الذي تسبب – جزئيا – في مشكلة الإسكان في المملكة، ولهذا السبب الواضح فقد كان النظام ولائحته التنفيذية من اختصاصات وزارة الإسكان.
وفي كل مادة من مواد النظام تجد أن النظام موجه بذكاء نحو تنشيط السوق العقارية التي أصابها الخلل من جرّاء الاحتكارات الواسعة، تورط السوق في المضاربات العقارية وتحول المخزون من الأراضي إلى ملاذ آمن؛ نظرا لأن تملك الأراضي في المملكة غير مكلف. فالنظام لم يستهدف كل عقار ولم يستهدف الأراضي الزراعية حتى تلك التي في وسط النطاق العمراني، فالمسألة هي الإنتاج والتحفيز على الإنتاج والاستثمار وإنهاء نظرية الملاذ الآمن في العقار، ولا شك أن هذا النظام بهذا الشكل هو مطلب شرعي قبل أن يكون شعبيا أو حتى توجها سياسيا وهنا يبرز الدور الذي لعبته هيئة كبار العلماء في صناعة القرار، خاصة أن الرسم لم يتجاوز 2.5 في المائة وهي ربع العشر، كما في الزكاة المفروضة على المستغلات بشتى أنواعها. فالنظام الذي صنع على عين كبار العلماء يهدف أساسا إلى تحفيز الاستثمار ورفع تكلفة الكنز العقاري الضارة، ولا أحد في المملكة اليوم ينكر الضرر الكبير الذي تسبب فيه احتكار العقار عندما كان ملاذا آمنا للثروة.
وبهذا التصور الشامل للموضوع، والتوجيه بأن يُخصص حساب لهذا الموضوع في مؤسسة النقد يشير إلى أن الدولة تريد أن تفصل إيرادات هذه الرسوم عن الميزانية العامة للدولة، ويعد مالاً مخصصاً لغرض معين، وبهذا فإن جزءاً من المهام المتوقعة في اللائحة التنفيذية هو إدارة هذا المال المخصص والتعامل معه بطريقة تضمن توجيه إيراداته وفق ما خُصص له وهو تنمية المناطق السكنية وتسريع مشاريع الإسكان وإيصال الخدمات بسرعة أكبر، ولعل هذه نقطة لم تزل تستحق مزيداً من النقاش. ولهذا فإن الوقت المتبقي حتى التنفيذ وقت كاف لمثل هذه الدراسة.