يعتبر الرصيف من أبسط و أهم مظاهر البنية التحتية للمدن، يعطي المشي على الأرصفة في أجواء ظليلة وسلامة للمشاة بهجة كبيرة للإنسان، ولا يمكن لأي مدينة التنافس على مستويات عالمية، دون الإهتمام بإعتبارات ما يسمى عالميا “القابلية للمشي” walkability ، يرتبط بالرصيف مفاهيم عديدة ترتبط بالهدف الأساسي لوجود الرصيف، وهو ان يستطيع الإنسان في المملكة، التنقل بحرية وبسلامة لوجهته، دون الحاجة لركوب أي وسيلة من وسائل المواصلات، ومن هنا تظهر مفاهيم أخرى متصلة بذلك ومنها، سلامة المشاة، التشجير الصحيح للأرصفة، إشارات المشاة، التثقيف المروري بحقوق المشاة، حقوق الطريق، الرياضة و النشاط البدني، الترويح النفسي، صحة المدينة، جماليات المدينة. وغيرها.
وهنا يظهر الدور الكبير الذي تلعبه الجهات الوطنية لا سيما وزارة النقل و وزارة الشؤون البلدية والقروية، وهيئات تطوير المدن، والسؤال المطروح هو: هل شوارعنا وطرقنا وارصفتنا قابلة للمشي؟ والى أي مدى لدينا ثقافة حقوق واحترام المشاة، وكيف يمكن تعزيز ذلك عن طريق بعض الإجراءات في البنى التحتية، كود ولوائح البناء، واللوائح المرورية، والحملات التوعوية.
إمكانية المشي هي مقياس لمدى ملائمة المنطقة للمشي. ولسهولة الحركة فوائدها الصحية والبيئية والإقتصادية. تشمل العوامل التي تؤثر على قابلية المشي وجود أو غياب ونوعية ممرات المشاة أو الأرصفة أو غيرها من حقوق المشاة وظروف المرور والطرق وأنماط استخدام الأراضي وإمكانية الوصول إلى المبنى والسلامة، ويعتبر قابلية المشي مفهوم مهم في التصميم الحضري المستدام.
لا يمكن الإختلاف حول الفوائد الإيجابية للمشي على صحة الانسان، والمهم هنا ليس الاهتمام في أن تكون الأرصفة مجهزة، بل الأهم أن يؤخذ بعين الإعتبار ما يخص ذوي الهمم في التنقل بشكل فردي دون الحاجة للمساعدة، وان تكون الأرصفة في الشوارع تعزز ذلك.
وللإعتبارات البيئية دور هام جدا، فهنالك بعض الأمثلة للأرصفة الغير ملائمة، والتي تشغل الأشجار فيها المساحة المخصصة للمشاة، مما يجعل من الصعوبة المشي بشكل مستقيم على الرصيف بسبب طريقة التشجير التي لم تأخذ بعين الاعتبار المساحة الخاصة بالمشاة، لست هنا معارضا على التشجير على العكس، ولكن ينبغي التفكير في نوع التشجير وارتفاعه من أجل خلق ظل للمشاة، وليس تقزيم الأشجار أو وضعها بشكل يصعب من حركة مرور المشاة و ذوي الهمم ، وثم تعرضهم للخطر. كم من الحوادث التي حصلت بسبب نزول المشاة على الطريق اضطرارا بسبب عدم ملائمة الرصيف او ارتفاعة او استحواذ التشجير لمساحة المشاة، او انخفاض و سوء التشجير وهكذا.
واحدة من أهم فوائد قابلية السير هي انخفاض التلوث الناتج من السيارات في المجتمع. يمكن تخفيض انبعاثات الكربون إذا اختار المزيد من الناس المشي بدلاً من القيادة أو استخدام وسائل النقل العام. تشمل فوائد تقليل الانبعاثات انخفاض الظروف الصحية ونوعية الحياة ، وتقليل الضباب الدخاني ،ومساهمة ذلك في تغير المناخ العالمي. واذا اضفنا على ذلك زراعة الأرصفة بشكل ذكي ومن نباتات لها علاقة بالبيئة المحلية، فهنا نحقق اهداف متعددة.
التطرق للحديث عن الفوائد الإجتماعية و الإقتصادية للرصيف امر مشجع، فهو يشكل ارتباط وذكرى بين الانسان والمكان، وابرز مثال على ذلك تنقل طلاب المدارس من بيوتهم الى المدرسة وذكريات المشي والأشجار على تلك الأرصفة، وكم الذكريات الجميلة التي تحدث، وتعزز الانتماء للمكان وجمالياته. ومن جهة أخرى يشكل انتقال الطلاب مشيا على الأرصفة توفيرا في مصاريف النقل، وتعزيزا للصحة، ومع التقدم الذي تشهده المملكة في تعزيز وسائل مواصلات جديدة مثل المترو والقطارات، سيكون المشي جزءًا هامًا من الحركة، من أجل الوصول لتلك المحطات و الوجهات، ومن هنا فإن تأهيل الطرق أمر حيوي لجعلها قابلة للمشي وتعزيزا لجودة الحياة في المدينة.
لا يقتصر تطوير الأرصفة وتعزيز القابلية للمشي على طرق متخصصة معينة ، حيث يمكن لمزيد من الأرصفة وزيادة إمكانية التنقل تعزيز السياحة وزيادة قيمة العقارات.
يزداد الطلب على المخططات السكنية ذات القابلية للمشي وارصفة ذات تشجير ذكي يتيح للمشاة التنقل بحرية ويأخذ الاعتبارات الخاصة لذوي الهمم في الانتقال بين الشوارع الأرصفة، في السنوات الأخيرة ، زاد الطلب على السكن في سياق حضري قابل للمشي، حين وجود ارصفة قابلة للمشي فإن القائدة تتخطى الجوانب الصحية والاجتماعية فهي أيضا تساعد في تقليل الجريمة، وزيادة الشعور بالفخر، وزيادة العمل التطوعي، والصحة النفسية الاجتماعية، لذا من أجل مدينة صحية نفسيا، من المهم الاهتمام بالارصفة وتحويل كل مدن المملكة الى مدن قابلة للمشي.
يمكن الانتقال لمرحلة افضل من خلال تطبيق المثلث المكون من:
*Walkability القابلية للمشي
*Accessibility القابلية للوصول – سيما لذوي الهمم
*Bikeability القابلية للتدريج – (قيادة الدراجات)
وذلك من خلال تدابير مبسطة من خلال البناء و تخصيص خطوط على الرصيف للمشاة وأخرى للدراجات، والحرص على ان تكون نهايات الارصفة بمنخفضات مائلة تتيح لذوي الهمم او لعربات الأطفال والدراجات صعود الأرصفة بسلاسة وسلامة.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية ، يجب أن تتعامل المدن الحديثة مشاكل صحية رئيسية وهي: الامراض المعدية و الحادة والأمراض غير المعدية والحوادث المرتبطة بسلامة المشاة و إمكانية الوصول والتنقل. من أجل مواجهة هذا التحدي، والتخطيط السليم وتنظيم تعد البيئة الحضرية محورية في جميع أنحاء العالم ، وبالتالي فهي مهمة للغاية اعتبار المدن “معززة” لظروف المعيشة في الهواء الطلق ، فضلاً عن الصحة الحضرية والعامة.
البيئات الحضرية تؤثر على معيشة المدينة، سواء بالنسبة للصحة أو سلوك الناس ، تشجيع أو تثبيط ذلك مهم لسلامة المدينة صحيا و نفسيًا، لذا من الأهمية بمكان تحسين قدرة الأفراد على السعي للمعيشة بنمط حياة صحي. تشكل تصميم المدينة حضريًا لا سيما ما يتعلق بالارصفة و التشجير وتعزيز قابلية الحركة وجعل المدن أكثر قابلية للتجول وتحسين العوامل المادية – مثل ميزات المباني، وتصميم الشوارع – من أجل إنشاء مساحة أكثر ملاءمة وآمنة ومريحة وجذابة للمشي وركوب الدراجات في تحويل المدن الى مدن صحية ومعززة لصحة الانسان و ازدهار الوطن.
يسعى برناج جودة الحياة وعدد من المباردات الوطنية في تعزيز ذلك التوجه، بيد ان هنالك حاجة لتظافر مزيد من الجهود على مستويات عدة، للتسريع في تحويل مدن المملكة الى مدن يفتخر المواطنين فيها بمدنهم، وبأرصفتهم.