هل تخيلت يومًا أن جدران بيتك تتنفس وتتحرك وتعالج نفسها إذا أصابها ضرر، ومن يدري قد تمشي يوما وتتحدث؟! لقد حدث شيء من ذلك بالفعل، لم يكن أمام العلماء من وسيلة لحل ما يعتري المباني الخرسانية من تصدعات وتشققات نتيجة عيوب في مادة الأسمنت، تسمح للرطوبة أن تغزو الشقوق وتسبب تآكلها وتآكل الحديد الموجود داخلها، ما يهدد سلامة المباني وينذر بسقوطها، إلا اختراع تركيبة جديدة لنوع من الأسمنت الحي والقادر على علاج نفسه إذا ما حدثت فيه تصدعات أو شقوق، ويحتوي هذا النوع من الأسمنت على بكتيريا منتجة لمادة كربونات الكالسيوم أو الحجر الجيري.
تبقى البكتيريا المضافة إلى الخرسانة في حالة كمون في الجدران السليمة، أما إذا حدثت تشققات وتصدعات داخلها وتسربت الرطوبة، فإن الماء يعيد تنشيط تلك البكتريا التي بدورها تقوم بإنتاج مادة كربونات الكالسيوم لتملأ الشقوق والتصدعات فترممها وتعالجها دون أي تدخل خارجي!
لكن الأمر يتطلب نوعًا خاصًا من البكتيريا يمكنها الحياة في بيئة صخرية شديدة الجفاف، لذا تم اختيار بكتيريا مقاومة، تستطيع النمو والعيش في ظروف قلوية وإنتاج أبواغ تمكنها من البقاء على قيد الحياة لعقود دون طعام أو أكسجين.
وبقي تحد آخر: من أين ستتغذى البكتيريا عند خروجها لتتمكن من إنتاج المادة المرممة؟! لم يجد العلماء أمامهم إلا مادة لاكتات الكالسيوم، التي تحتوي على الكالسيوم الذي سيمكنها لاحقا من بناء الكلس. وضعت البكتيريا ولاكتات الكالسيوم في كبسولات مصنوعة من البلاستيك القابل للتحلل وتمت إضافة الكبسولات إلى الخرسانة الرطبة خلال مراحل الإنشاء.
وعند تشقق البناء أو تصدعه وتسرب الرطوبة، يعمل الماء على فتح كبسولات البكتيريا لتنطلق وتتغذى وتتكاثر على اللاكتات وتكون الحجر الجيري الذي بدوره يغلق الشقوق في فترة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، أما المباني القديمة التي لم تستفد من الطفرة الجديدة، فيعمل العلماء اليوم على تطوير وإنتاج سائل بكتيري يعيد الروح إليها ويصلح تصدعها في أقصر وقت ممكن.
لعلها تكون بداية قوية لعصر مبان بيولوجية حية ونابضة وقادرة على علاج نفسها بنفسها لتدوم فترات أطول، بل ربما نتمكن في المستقبل من تسخير البكتيريا لبناء منازل كاملة حتى نقلل من تكلفة البناء، إضافة إلى الحفاظ على البيئة.