
مع إنشاء هيئة العقار تعالت الأصوات اليوم هنا وهناك من أجل إنقاذ العقاريين، وأقول إنقاذ العقاريين وليس السوق لأن السوق تمر بمرحلة اقتصادية عادية جدًا، وهي تأتي نتيجة طبيعية لأخطاء ارتكبها تجار وسماسرة العقار، ويجب عليهم الآن تحمل نتائج تلك الأخطاء، وأنا شخصيا واثق بأنهم قادرون على تحمل تبعات الركود الذي تشهده سوق العقار اليوم بل التخلي عن قليل من الأرباح الهائلة التي حققوها فيما لو بدأت الأسعار بالتراجع بقوة.
لقد كتبت ومعي كتاب اقتصاديون مختصون مقالات كثيرة قبل أن تبدأ موجة ارتفاع الأسعار، وحذرت من ذلك مرارًا وتكرارًا، وأن الوضع الصحي هو تنظيم السوق ومنع سيطرة الفائزين الفارين من سوق الأسهم من تكرار بؤسهم وتجربتهم في العقار، وأدعو القارئ الكريم لقراءة بعض مقالاتي القديمة عن العقار “الطفرة العقارية المقبلة”، وهم أم خطر داهم، الطفرة العقارية .. لعبة المصطلحات، خطر الاستمرار في ضخ النقد إلى سوق العقار، أنظمة التمويل العقاري.. زيت على نار الأسعار”.
من يتذكر كيف كانت أسعار العقار في الأعوام التي تلت عام انهيار الأسهم 2006، ويقارنها بأسعار العقار في الأعوام القليلة التي تلت، سيدرك حتما حجم الخطأ الذي حدث، واليوم نقول الحمد لله إن ما حدث للعقار كان مجرد ركود فقط، لكن المطالبات اليوم بدعم العقار والعقاريين هي بمنزلة مكافأة لهم على كل الأخطاء التي ارتكبوها في حق الاقتصاد، وعودة إلى مسار نجهل نهايته المأساوية.
لا لدعم العقار، دعوا الاقتصاد يأخذ مساره الطبيعي، هذا هو دور الحكومة الأصيل، دعوه يمض دعوه يمر. لقد لخصت أفكاري في هذا الشأن بمقالة عنوانها الشيوعية وفساد الحكومات .. الحل العقيم للمشكلة القديمة، وإنني أصرح بأنني من معارضي الكنزية والكنزيين “أخرجوهم من الحكومات”، ولا أرى أنهم اقتصاديون أبدا، بل هم في نظري محامون أكفاء لأصحاب رؤوس الأموال الذين تقع رؤوسهم تحت مقصلة الاقتصاد. هم قادرون على إقناع الحكومات أن من صالحها وصالح الشعوب إنقاذ الرأسماليين فقط. عند الكنزيين النظرية الاقتصادية لا تحمي أحدا وأولهم الفقراء والضعفاء والأبرياء وذوو الدخل المحدود، وتعتبر حمايتهم من قبل الحكومات خطأ اقتصاديًا يدمر عجلة الإنتاج، ولم يقل أحد أن يتم ضخ النقد لصالح الفقراء في النظريات الرأسمالية كلها، إلا إذا “وإذا فقط” توقفت قدرتهم على الشراء. هنا تأتي الأصوات وتتعالى لإنقاذ لاقتصاد، لكن هذه الدعوات ليس هدفها إنقاذ الفقراء بل ثروات الرأسماليين، دعوات تأتي فقط عندما تصل الأسعار لمستويات من الارتفاع تجعل الناس يتوقفون عن الشراء، وأسعار تبدأ معها علامات الركود تعصف بالأسواق وشبح الانهيارات قريب.
ولو تتبعنا النظرية الاقتصادية الكلاسيكية فإنها تطالب دائما بعدم التدخل في الأسواق عموما، ذلك أن الأسعار ستعاقب كل من تسبب في ارتفاعها دون قيمة حقيقة تمت إضافتها، ولهذا تبدأ بالتراجع وهي في طريقها للعودة تحصد كثيرًا من الرؤوس، أول تلك الرؤوس هم البسطاء الذين أشركوا في دعم الرأسماليين، حيث يتم فصلهم من وظائفهم، وسجنهم بسبب ديونهم وحالهم يقول ألم نكن معكم فهل أنتم مغنون عنا من هذا الإفلاس شيئًا، ثم يأتي الدور على مؤسسات التمويل التي قدمت قروضها لهم ولم يسددوها، ثم يأتي دور الرأسماليين أنفسهم، وحتى تعود الأسعار إلى مستويات قد تكون أقل من الحقيقة لكنه المستوى الذي يعيد الثقة في القيمة. كارثة الرأسمالية الجديدة والكنزيين معها أنهم يترقبون الأسواق وهي تتراجع تحص في رقاب الضعفاء، حتى إذا وصلت إلى رقاب كبار الرأسماليين جاءت دعواتهم الظالمة بالتدخل السريع لإنقاذ الاقتصاد “نعم الاقتصاد فقط هم كبار الرأسماليين عندهم” لهذا لا أحب العمل مع الكنزيين، وأصرح بذلك.
لا لدعم العقار، لا للحلول التي تهدف إلى إخراج الرأسماليين من أخطائهم دون أن يدفعوا ثمن تلك الأخطاء، ذلك أنهم لم يسمعوا صوتًا لأحد عندما بدأت الأسعار ترتفع وتتخلى عن القيمة الحقيقة، عندما كانوا يشجعون على الاقتراض ويروجون له، عندما نادى كل صادق من شعور حقيقي بالمسؤولية، إنه يجب على الحكومة التدخل لإيقاف هذه المخاطر وحماية أموال الناس، ومنع الاحتكار بأشكاله كافة، محاربة الفساد حتى ولو كان في شكل تأخير إصدار أنظمة صارمة، عندما نطالب بذلك والأسواق بخير والناس في أمان تصبح مقولاتنا تلك بلا آذان صاغية وعبارات خارج التيار، وأننا نخالف قواعد الاقتصاد، وأن حرية الاقتصاد مكفولة.
فلما عاد الاقتصاد ليصحح كل تلك الأخطاء جاء الرأسماليون في ثبات المسيح، وأنهم مصلحون ومجددون، وهم وحدهم أهل الاقتصاد وخاصته، والله أعلم بما في قلوب العالمين.
لا لدعم العقار، بل يجب أن يأخذ الاقتصاد مساره الكامل، لن تحمينا القرارات التي ينادي بها تجار العقار للتدخل، لأن الحقيقة واضحة تماما والأسعار لم تزل فوق قدرات الناس على الشراء ولو بقروض، وإذا كان هناك مغامرون اليوم ما زالوا يحافظون على الطلب عند مستوى الركود فإنهم حتمًا سينفدون من الأسواق قريبًا، فالاقتصاد السعودي وهو يصحح كل الأخطاء والمسارات السابقة يجب عليه ألا يجامل اليوم أحدا بطريقة قد تربك كل الخطط القائمة الآن.
لقد مضينا في طريق الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، فتم رفع أسعار الطاقة وإلغاء الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة، وتم إقرار حساب المواطن، والعمل جار على قدم وساق لإصلاح الميزانية العامة ورفع قدرة القطاع الخاص، وتخلي الحكومة عن كثير من الأنشطة الاقتصادية، فلا مجال إذا للتراجع والعودة للتدخل في الاقتصاد فقط من أجل الاستجابة إلى صراخ العقاريين.
لا لدعم العقاريين، ويجب عليهم القبول بالحال، وفك الاحتكارات القائمة، والرضا ببعض الغنيمة التي سبق وحققوا منها المليارات، والآن يجب أن تعود الأسعار إلى طبيعتها حبا أو قهرا. حبا بطريقة ممنهجة ودعم الإسكان، وتحرير الاحتكار، أو قهرا بأن تنهار الأسعار فجأة دون رحمة لأحد.