بعد سنوات طويلة من الدارسة والخبرة العملية والتدريس والتدريب والقراءة، أستطيع أن أقول: إن الاستثمار في السوق المالية السعودية تنقصه الثقة فقط، ليس لدينا مشكلة في سهولة الدخول والخروج من السوق، وهناك مؤسسات تمويل، وشركات كبيرة وصغيرة تحقق عوائد وشركات واعدة، هناك تنوع ثري بين صناديق استثمارية واستثمار مباشر وصناديق المؤشرات والآن نستعد للمشتقات بعد أن أطلقنا مؤشر 30 شركة وصناديق الريت، ومع ذلك فهناك عدم ثقة في أن العوائد ستكون مناسبة بل حتى أعلى بقليل من سعر الفائدة السائدة إذا لم تكن سالبة، وسأعرض تجربة خاصة جدا، لكنها رغم خصوصيتها لها طابع يجعلها حالة دراسية تستدعي النظر في حال الاستثمار خاصة عبر الصناديق.
قبل انهيار سوق الأسهم عام 2006، طلبت مني إحدى قريباتي أن أستثمر لها مبلغا صغيرا بعد أن باعت طقم الذهب الخاص بها الذي تعتز به، لم يكن هناك مجال للمخاطرة في ذلك الوقت وهي مصرة جدا على تجربتها؛ لذلك نصحتها أن تضع ثروتها الصغيرة في صندوق استثماري عند أحد المصارف فهناك لابد أن يكون أفضل الخبراء الذين يدرسون السوق كل يوم، كما أنهم يجيدون خطط التنوع الاستثماري وتوزان المخاطر والعائد وكل ما يجب عليهم القيام به مع سلسلة تاريخية للبيانات عن كل سهم وعن الثابت والبيتا ونموذج التسعير الرأسمالي، وأيضا: هم أشخاص مؤهلون ومتفرغون لمراقبة السوق وإعلانات الشركات وحالة المصارف وعرض النقود وتوقع تأثيراتها في تشكيلة الصندوق، كنت قد نصحتها بصدق، وقد اقتنعت ووضعت ثروتها تلك في ذلك الصندوق البائس.
انهارت سوق الأسهم ومعها انهار الصندوق، شعرت تلك المستثمرة الصغيرة بالرعب لكنني أقنعتها ألا تقوم ببيع أي وحدة الآن والانتظار فإن الصندوق قادر على العودة بسرعة لعدة أسباب، الأول: إنه لا يستثمر إلا في الشركات ذات العوائد، وهذا النوع من الشركات القوية تكون أسعارها حقيقية وستعود بسرعة إلى مستوياتها الحقيقية لهذا فلا يوجد داع للقلق، والأمر الثاني وهو الأهم: إن الصندوق يستثمر في هذه الشركات ذات العوائد وهي تمنح عائدا سنويا كل عام ولهذا سيقوم الصندوق بتوزيع أرباح هذه العوائد بعد خصم التكاليف على الوحدات كافة، ما يخفف أثر الانهيار مع مرور الوقت، كما أن من المعروف أن هذه الصناديق تستثمر في شركات واعدة أيضا وهي الشركات التي لم تتأثر كثيرا بسبب تراجع السوق وستقوم في المستقبل بتمويل توسعاتها من خلال منح الأسهم وهذا سينمي رأس المال المستثمر في الصندوق، والآن أضع كل هذا الحديث أمام أي متخصص في الاستثمار وفي الصناديق هل هناك خطأ في هذه التوقعات؟ هل يعقل أن الصناديق لا تقوم بذلك؟ وهل نقبل أنها لا تفعل أفضل من ذلك بكثير؟
ووفقًا لهذه المعطيات هل يمكن أن يكون أداء صندوق استثماري لا يتجاوز أداء أي مستثمر عادي جدا لا ناقة له في عالم الاستثمار والمخاطر ولا جمل، وكل ما يفعله وما فعله هو أن وضع أمواله في شركة واحدة فإذا كان محظوظا ارتفعت وإذا انخفض سعرها نقل أمواله في أخرى هكذا حتى تفنى الأموال أو يمل؟ أي الأمرين أحق بالنصح وأي الشخصين أخطأ، شخص ذهب لصندوق الاستثمار بكل هذه التوقعات أم شخص استثمر بنفسه وهو لا يدرك معنى الاستثمار؟
هذه القصة حقيقية عزيزي القارئ، فبعد سنوات تصل إلى 12 عاما أو تزيد بالكاد عاد رأس المال للمستثمرة الصغيرة التي أشرت إليها، وبالكاد وجدت أنها بعد 12 عامًا لم تستفد من أموالها شيئا فلا ذهبا تحلت به، ولا استثمارا تغنت به، عاد رأسمالها كأنها وضعته في خزانة الملابس في منزلها، بل ويترنح بين عشية وضحاها، ووالله وبالله وتالله لو أنني نصحتها أن تضع أموالها كلها في شركة واحدة ضخمة ذات عوائد لحصلت على أفضل مما قام به هذا الصندوق الاستثماري في هذا البنك العريق وبهذه الخبرات الضخمة والدراسات والتفلسف، فمثل هذه الشركة قادرة على منحها عوائد سنوية ولو كانت صغيرة، أما الصندوق فلا عائدا منح، ولا رأسمال نما معه. فأين المشكلة فعلا؟
السؤال هو كيف يفشل صندوق استثماري من نوع تنمية العوائد وليس من نوع المحافظة على رأس المال في أن يمنح عائدا سنويا على وحداته، أين ذهبت الأرباح السنوية لهذا الصندوق التي تأتي فقط من التوزيعات النقدية للشركات التي يستثمر فيها؟
دع عنك الأرباح الناتجة من المضاربات، بل فقط من عوائد الشركات، فالأمر إما أن يكون الصندوق يبالغ في المصروفات خاصة رواتب الموظفين، وبالتالي ما تأتي به ثمار السوق من توزيعات نقدية يذهب مع ريح المصروفات والمكافآت لموظفي الصندوق وبذلك فإن المستثمر الصغير يحصل على فائدة سلبية وليست إيجابية، أو إن العائد من هذه التوزيعات يذهب مع الخسائر من المضاربات، بمعنى أنه كلما حصل الصندوق على توزيعات نقدية ذهبت فائدتها في تعويض خسائر الصندوق الرأسمالية في أسعار الأسهم، وهذا يشير إلى مشكلة في السوق أو هيكل المحافظ في هذه الصناديق، هل هناك احتمال ثالث؟
نعم، أن يكون الصندوق لا يوزع العوائد النقدية من التوزيعات على أصحاب رأس المال الحقيقيين وهم المساهمون في الصندوق وهذه مشكلة شفافية. هنا تقف الثقة على المحك.
لا أعرف أي الخيارات هو الصحيح طالما أن هذه الصناديق غير شفافة وحوكمتها ضعيفة جدا، وأيضا هذا يضع الثقة بالاستثمار المؤسسي في المملكة على المحك. قلت ما قد علمت والله أعلم.