عقد مضى وما زالت أزمة الرهن العقاري العالمية أو أزمة القروض منقوصة الضمان Sub Prime حاضرة في الأزهان، بوقعها الكارثي عالمياً على مقدرات كبريات المؤسسات المالية والافراد العاديين على حد سواء.
المقصود بتسمية الـSub Prime هو الرهن المنقوص الضمان، وهي اشارة الى المستوى الائتماني المتدني للمقترضين الحاصلين على تلك الرهون العقارية. وتعود جذور الأزمة الى أوائل عام 2000، حيث قرر الاحتياطي الفدرالي آنذاك خفض سعر الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي، كما اتخذت اسعار العقار مساراً صعودياً متواصلاً، مما أوحى بهوامش ضمان متزايدة للرهن العقاري، فتمكن قطاع عريض من ضعيفي الملاءة المالية من الحصول على هذه القروض.
على هذه الخلفية، اندفعت البنوك لتوظيف سيولتها في الاقراض العقاري من خلال حملات تسويفية، أبطالها سماسرة من خارج الصناعة المصرفية، وكان وازعهم الرئيسي هو جمع العمولات، حتى لو استدعى الأمر تزيين «او تزييف» واقع حال المقترض.
بعدها، عمد المقرضون الاساسيون إلى بيع تلك القروض إلى بنوك استثمارية قامت بتجزئتها وتشكيل خلطات منها على شكل ادوات استثمارية سميت بـ«التزامات الدين المضمونة DO–Collateralized Debt Obligations»، روج لها على انها مكفولة بضمانات عقارية رغم كونها لم تخضع لتدقيق جهات رقابية ولم تقيّم ائتمانياً إلا من وكالات تتلقى اتعاباً من جهات الاصدار.
وقد سارت الأمور على هذا النحو حتى شهدت فترة ما بعد عام 2004 قيام الاحتياطي الفدرالي برفع سعر الفائدة على مدى اثنتي عشرة مرة، في محاولة لتجنب وقوع تضخم شديد في اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.
بالتالي، اصبح الكثير من المفترضين غير قادرين على ما آلت إليه خدمة الدين من قيم متزايدة، كما شهدت السوق انفجار الفقاعة السعرية للأصول العقارية بين عامي 2005 و2006، فبلغت اسعار العقار الإسكاني أدنى مستوياتها، وعجز اغلب المقترضين عن توفير الضمانات الاضافية المطلوبة، مما دفع اغلبهم الى التخلي عن القرض والتنازل عن ضمانه. وبدأ التفاعل المتسلسل لانهيار المؤسسات المقرضة الاساسية، وتلتها البنوك الاستثمارية التي صاغت ادوات استثمارية منبثقة من تلك الديون العقارية. وفي منتصف عام 2008 تراجعت بشدة سوق الأسهم الاميركية، جنباً إلى جنب مع تراجعات ملحوظة في أسواق الأسهم الأخرى عبر العالم.
واتخذت السلطات الرقابية في الاسواق المتأثرة بالأزمة اساليب علاجية، تمثلت في اجراءات نقدية غير تقليدية، مثل التيسير الكمي Quantitative Easing، وهو «شراء الحكومة للأصول على نطاق موسع لتحفيز الاقتصاد وزيادة السيولة، من خلال خلق المال إلكترونياً كاستحقاقات دفترية، وهو ما قد تتولد عنه ضغوط تضخمية. الا انه تم تجاوز تلك المرحلة بسلام، لأن ما تم تخليقه من نقد لم يبلغ حد التداول في الاقتصاد الأوسع الا بوتيرة بطيئة، عكست بطء معدلات النمو الاقتصادي في سنوات الأزمة وتلك التي تلتها مباشرة.
وبعد أن وضعت الأزمة أوزارها اختفت الرهون العقارية؛ إلا انها عاودت الظهور مؤخراً بمعايير جديدة، وبمسمى جديدNonprime Loans أي «قروض متدنية الضمان». بداية بمؤسسة انجيل هوك Angel Oak الاميركية التي تصف نفسها بأنها «مقرض بديل للرهن العقاري». وتلتها، في الصيف الماضي، شركة كارنجتن للرهونات Carrington Mortgage Services. كما أعلنت مؤخرا مؤسسة فاني ماي Fannie Mae، التي ترعاها الحكومة الأميركية، أنها ستخفف معايير الإقراض تسهيلاً للمقترضين ذوي درجات الائتمان المنخفضة.
فما اشبه اليوم بالبارحة. ألم تستوعب هذه المؤسسات المالية الدروس المستفادة من قبل عقد من الزمان، أم أنها اختارت ان تتجاهلها تماماً.