يحظى العقار باهتمام كبير في كثير من الدول، فتصاغ من أجله الأنظمة والتشريعات، وتُعقد لشأنه المؤتمرات؛ فهو من أثقل الأموال وزناً وأعمقها تأثيراً في الاقتصاد.
ولقد مر معنا في مقال سابق الحديث عن أهمية التوثيق وتباين الدول في مناهجها، خصوصاً فيما يتم على العقارات من تصرفات، وبيع العقار من أخطر التصرفات؛ إذ تنتقل الملكية وتنشأ الالتزامات، وتوثيقه لدى الجهات الرسمية هو أسلم طريق، خصوصاً إذا كان المنظم ينتهج طريقة (تطهير العقار من الالتزامات السابقة) عند توثيق البيع لدى الجهات الرسمية، ويصعب القول بأن طريقة التسجيل العيني مانعة من طروء المطالبات؛ لأن الدول تختلف مناهجها في التوثيق بشكل عام، فالأمر لا ينحصر في توثيق البيع فقط، بل يمتد إلى طريقة تعامل القضاء مع الدعاوى التي تعترض هذه التملكات.
في هذا المقال سأدون جملةً من النقاط التي أرى أهمية مراعاتها عند التبايع الذي يتم بين الأفراد فيما بينهم أو مع الشركات، وهو اجتهاد ناتج عن ممارسة شخصية من خلال تعاملات عقارية عدة ، آمل أن يستفيد القارئ منها عند حاجته لتوقيع عقدٍ لبيع عقار:
1- تثبّت من صحة تمثيل الطرف الآخر ، ومن أنه يحمل صلاحية تخوله إتمام هذا الإجراء ، وأن مستند تمثيله للغير سارٍ وسليم (كالوكالات مثلاً) .
2- يجب أن يتضمن عقد البيع وصفاً دقيقاً للعقار المباع (مساحة ، أطوال ، شوارع ، حدود، طوابق، موجودات … وغيرها) وهذا يستدعي التثبت من جملة من المستندات المهمة ، فعلى سبيل المثال:
الأرض الخام : الصك + القرار المساحي.
العقار المبني : يضاف إليها الفسوحات والتراخيص والمخططات وشهادات إتمام البناء وشهادة الدفاع المدني ..
للوحدات الصغيرة : محضر اللجنة الفنية من الأمانة لضبط البيع عند فرز الوحدات .
جميع ماذكرته هو على سبيل المثال ؛ لاختلاف الاشتراطات بحسب نوع العقار واستخدامه .
3- لا غنى للمشتري عن الشخوص على العقار ومعاينته قبل التوقيع ، فالمختص يُدرك أهمية المعاينة وأثرها الكبير على مسائل العيوب التي يترتب عليها القدح بالغبن والغرر ، ولهذا يحرص بعض الباعة على التأكيد كتابياً بأن المشتري قد عاين وفحص العقار بطريقته .
4- عند صياغة بند (العربون) يجب أن نبتعد عن الإيهام والخلط ، فالعربون شيء والقيمة من العقار شيء آخر ، هذا عند الاتفاق ابتداءًا ، وعند تمام البيع فيكون العربون جزءاً من القيمة ، ولأنه عربون فيجب أن يكون بمبلغ معتدل ، وقد كثرت الدعاوى في المحاكم بسبب هذا الخلط الذي يكون فيه إجحاف على طرف من الأطراف .
5- أتْقِن صياغة (بند الثمن) فالبيع الحال بثمن مكتمل ليس كبيع مقسّط ، ولقد تيسرت طرق الدفع ، فالشيكات المصرفية والحوالات هي في حكم القبض المباشر ، وعند اضطرارك لاستلام دفعات عن طريق سندات لأمر فمن المهم أن تأخذ الرأي القانوني الدقيق في النموذج المكتمل للسند .
6- البيع (ثمن ومثمن) ، والمثمن في بعض العقود العقارية لم يُبدأ به بعد أولم يكتمل ، كمسكن لدى مطوّر عقاري ، فمن الخطأ أن يستوفي المطوّر كامل الثمن ولمّا ينتهي بعد ، حينها يقدّر أهل الخبرة المتبقي ، ويُحجز ما يقابله من الثمن ، منعاً من حدوث خلافٍ بين الأطراف .
7- يحسن بالبائع النص على جميع الضمانات في عقد البيع ، خصوصاً ما يتعلق بمرحلة التأسيس (كمواد السباكة ومواد الكهرباء) والمنقولات الثقيلة (كالمصاعد مثلاً) ، وضمانات العزل … ، فهذا يعزز الثقة لدى المشتري ، ويمكّنه من الاستفادة من هذه الضمانات .
8- من أخطر البنود التي يُغفل عنها أو تكتب بطريقة هزيلة : موعد الإفراغ ! ، وقد مر معنا أن أسلم طريق هو الإفراغ لدى الجهات الرسمية ، ما لم نضطر بسبب طبيعة المبايعة إلى كتابة عقد تفصيلي يتضمن شروطاً والتزامات يصعب إدراجها لدى كاتب العدل في ضبط المبايعة ، وهذا استثناء ، أما الأصل فيكون بحسم المبايعة ابتداءًا لدى كاتب العدل ، لكن وبما أن هذا المقال جاء في حدود المبايعات التي تتم خارج كتابات العدل ، لذا فإن صياغة بند الإفراغ يجب أن تكون دقيقة ، فالعربون هو إظهار للجدية والرغبة ، لكنه لا يعني تمام البيع ، وإنما البيع يقع عند إكمال الثمن والإفراغ في الوقت المتفق عليه ، ما لم يكن التأخير بفعل من البائع ، وهنا تبرز أهمية طرق التواصل بين الأطراف في الإشعارات والمواعيد ، وعلى البائع أن يدرك أن باذل العربون هو الأحق في مدته فلا يتعاقد مع غيره ولو قدّم قيمةً أعلى .
وآمل أن ييسر الله لي في وقت قريب كتابة مقال عن هذا الموضوع الشائك (بيع العربون) .
9- ماذا عن بيع العقار المؤجر؟
أ- من المهم الاطلاع على العقود الإيجارية والتثبت من صحة الأرقام ومنطقيتها، وذلك بالاستعانة بأهل الخبرة، فمن المؤسف ما يقوم به قلّة من الملاك بتقديم عقود إيجارية مبالغ فيها (بتواطؤ) من مستفيدين؛ لرفع القيمة الإجمالية للعقار، وعند تمام الشراء يتفاجئ المالك الجديد بهذه الحيلة، وبالتالي يكون قد خُدع في القيمة الإجمالية للعقار .
ب- قد يشتري البعض سكناً ويشترط البائع البقاء فيه مدة محددة ، وهذا شرط جائز ورد حكمه في السنة كما في حديث جابر -رضي الله عنه- عند البخاري، عندما اشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم بعيره : (قال : بعنيه ، قلت : هو لك يا رسول الله ، قال بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ، ولك ظهره إلى المدينة) ، وفي العقار ، فإني أنصح بأن يتم الإفراغ للمشتري، ويُكتب بين الطرفين اتفاق لاحق (بأي تكييف يرتضيانه) لتحرير مسألة البقاء في العين بعد البيع ، سواء كانت هبة أو أجرة ، المهم أن يتملك المشتري الأصل ويُفرغ له ، وتضبط مدة بقاء البائع ، فهذا أحفظ للحقوق .
10- تنوّع الناس في اختياراتهم وأفهامهم مظنة حدوث النزاع والخلاف، وهنا تأتي أهمية الدقة في صياغة بند (فصل الخلاف)، فلدينا أكثر من أسلوب لحلّها : فالقضاء، والتحكيم، والوساطة (وقد تكلمت عنها في مقال مستقل)، كلها طرق تنتهي من خلالها النزاعات، وتحديد الأسلوب الأنسب للواقعة يعود لعوامل مختلفة، يقدرها المختص .