فلل الكراتين هي الاسم المتداول للمساكن رديئة الجودة أو المغشوشة بمعنى أصح التي تم بناؤها في سوقنا خلال طفرة العقار في الأعوام العشرة الأخيرة، التي ما إن يهطل مطر متوسط حتى تتحول إلى شلالات من الداخل، وتبدأ معها معاناة من اشتراها ماليًا ونفسيًا وصحيًا. وبالتأكيد لا يقتصر غش المساكن على تحولها إلى شلالات من كل مكان في موسم المطر، بل يتعدى ذلك إلى ما نشاهده شخصيا أو من خ
لال وسائل التواصل الاجتماعي من تصدعات في الجدران، وضعف في الأعمدة، وسقوط في الأسقف، وانهيارات للتربة، وغش في الكهرباء والسباكة والبلاط والتلييس… إلخ.
ولو كتبت في محرك جوجل كلمتي الفلل المغشوشة أو فلل الكراتين، لوجدت كثيرا من النقاش والاقتراحات والشكاوى والتذمر والصياح والصور المحزنة، التي سببها بعض عديمي الضمائر من العقاريين وأصحاب المقاولات للناس؛ بسبب البناء الرديء، وعدم وجود من يحاسبهم أو يعاقبهم أو يوقفهم عند حدودهم.
الجديد هذا العام ليس نزول المطر، ولا شكوى الذين تورطوا في شراء هذه الفلل، لكن الجديد هو دخول هيئة حماية المستهلك على الخط، فحسب لقاء لماجد المحيميد عضو المجلس التنفيذي لهيئة حماية المستهلك في برنامج الراصد الأسبوع الماضي، أوضح أن جمعية حماية المستهلك تلقت 286 بلاغ غش تجاري في الفلل خلال الأربعين يومًا الأولى من فتح تقديم البلاغات على حساب الجمعية، وزادت البلاغات لتصل حتى اليوم إلى 487 بلاغًا يتعلق بالمساكن المغشوشة.
ونظرا إلى تزايد المتضررين، فقد أنشأت جمعية حماية المستهلك لجنة تضم مجموعة من المختصين في المجالات الشرعية والقانونية والاقتصادية والمقاولات والإنشاءات؛ لمساعدة المواطنين الذين تضرروا بسبب المساكن المغشوشة، وهي خطوة تحسب للجمعية وإدارتها ولا شك.
وجاءت خطوة الجمعية بعد قيامها بدراسة عن ظاهرة البيوت المغشوشة، وصفت أمين عام الجمعية الدكتورة سمر القحطاني نتائجها بـ “الصادمة”، حسب تصريح لها نشرته صحيفة الوطن الأسبوع قبل الماضي.
وأوضحت الدراسة بحسب القحطاني، أن “86.7 في المائة من البيوت المغشوشة هي بيوت جاهزة جديدة البناء، و52.4 في المائة من البلاغات كانت تتعلق بأضرار في البنية الأساسية للبيوت”، والأسوأ أن 79 في المائة من المتضررين الذين شملتهم الدراسة تحملوا تكاليف إصلاح الأضرار من جيوبهم.
بالتأكيد، الفلل والمساكن المغشوشة ومن تورط فيها من المواطنين موضوع مهم يجب أن يناقش ويعالج على مستوى جهات الحكومة المسؤولة، ومن المؤسف أن هيئة الإسكان أعلنت بدء تطبيق شهادة الاستدامة بداية من الربع الأخير لهذا العام، وقد تجاوزنا حتى اليوم منتصف الربع الأخير ولم يبدأ العمل بهذه الشهادة حسب علمي، كما أن المصارف، وعلى لسان متحدثها طلعت حافظ، أعلنت سابقا أنها لن تشترط شهادة الاستدامة عند تمويل العقار، وهو موقف غريب وعجيب من المصارف ومن مؤسسة النقد المشرفة عليها، فالدراسة التي قامت بها جمعية حماية المستهلك أوضحت أن 53.8 في المائة من عينة الدراسة، الذين وقعوا ضحية الغش العقاري تم تمويلهم من قبل المؤسسات المالية؛ وهو ما يعني أنه على المؤسسات المالية مسؤولية أخلاقية حتى لو لم يوجد نص مكتوب يلزمها بحماية مقترضيها من الغش والغبن، اللذين تسهم فيهما هذه المؤسسات بتمويلها بيوتا مغشوشة ومتدنية الجودة.
وختامًا، ليست المرة الأولى التي أكتب فيها ويكتب غيري عن “فلل الكراتين”، وإن كنت أتمنى أن يُحل الموضوع، وتكون هذه المقالة الأخيرة لي عنه، فلا يعقل أن من يشتري سيارة بسبعين ألف ريال يحصل على ضمان الشركة المصنعة مقابل العيوب، بل إن من يشتري قلما أو ساعة ماركة بألفي ريال يحصل على الضمانات الكافية، في حين إن من يشتري منزلا بمليون أو مليوني ريال، ويتحمل الديون الطائلة 25 عاما من عمره لا يحصل على أي ضمانات.
فرجاء يا وزارة الإسكان، ويا وزارة البلديات، ويا مؤسسة النقد، ويا قضاتنا في المحاكم، تدخلوا لمصلحة الناس، وقفوا بحزم في وجه من يغش الناس من بعض عديمي الضمائر، ويعرض حياتهم للخطر وأموالهم للخسارة وأوقاتهم للهدر، وكونوا له بالمرصاد، والشكر أخيرًا لهيئة حماية المستهلك على مبادرتها للوقوف إلى جانب المتضررين، وإيصال صوتهم إلى من في يده القرار.