رغم الجهود المتواصلة التي تقوم بها وزارة الإسكان، إلا أن بوصلتها لم تتجه بدقة في حلولها لأزمة السكن بشكل مباشر طوال السنوات الثماني الماضية، لعلاج جوهر المشكلة الذي هو غلاء أسعار الأراضي السكنية؛ فلم يتم ضخ أراض سكنية تزيد المعروض في المدن الكبيرة التي تشهد أزمة كبيرة؛ ولم تفرض ضريبة الأراضي البيضاء في المرحلتين الثانية والثالثة، وهما الأكثر تأثيرا في تفتيت احتكار الأراضي السكنية وزيادة عرضها من ضريبة المرحلة الأولى، والنتيجة الفعلية اليوم أنه لا تقدم حقيقي في ملف حلول أزمة الإسكان.
ورغم أن أسعار العقار بنوعيه السكني والتجاري شهدت انخفاضات متتالية وجيدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أن هذا الانخفاض يعزى لعوامل كثيرة كانخفاض حجم السيولة في الاقتصاد، أو خروج عدد من غير السعوديين بعائلاتهم من البلد نتيجة بعض القرارات المرتبطة بالسعودة أو بسبب انخفاض الإيجارات، وتأجيل البعض لفكرة تملك السكن في الوقت الحالي أو لغيرها من الأسباب، إلا أنها جميعها لم تأت نتيجة إجراءات نفذتها الوزارة لعلاج جذور المشكلة.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية ونتيجة لعدم حل أصل المشكلة الذي أشرنا إليه، فقد شهدت أسعار العقارات في المدن الكبيرة ارتفاعات متوسطة راوحت بين 20 و30 في المائة “والرقم تقريبي حسب متابعتي فقط”، نتيجة قرار دعم العسكريين بمبلغ 140 ألف ريال لشراء منازل سكنية لأسرهم، وهذا في رأيي خطأ، وأقصد توقيت الدعم لا فكرة الدعم نفسها، فالدعم قبل حل جوهر المشكلة لن يؤدي إلا إلى ارتفاع سعر العقار، وبالتالي فالدعم لن يستفيد منه المواطن فعليا – بل ربما كان حال المواطن بعد الدعم أسوأ منه قبل الدعم- ومن سيستفيد فعليا هم ملاك العقارات الذين رفعوا أسعار وحداتهم بنسبة الدعم نفسه أو ربما أكثر.
وللمثال، فالمواطن الذي كان يبحث عن منزل بقيمة 850 ألف ريال “وهي قيمة المنزل الأول المعفى من الضريبة” وقادر على الوصول لقيمته قبل الدعم سيكون في وضع أسوأ، بعد الدعم لأن المنزل نفسه ارتفع سعره لمليون ريال؛ وبالتالي فالمواطن سيدفع الآن كل مبلغ الدعم ومقداره 140 ألف ريال، كما يحتاج إلى أن يدفع عشرة آلاف أخرى من جيبه الخاص نتيجة ارتفاع سعر المنزل من 850 ألفا إلى مليون ريال، إضافة إلى ذلك سيكون عليه أن يدفع ضريبة قيمة مضافة مقدارها 7500 ريال مقابل الـ 150 ألفا الزائدة فوق مبلغ الإعفاء للمنزل الأول، وهذا يعني أن المواطن سيدفع كل مبلغ الدعم، إضافة إلى 17.5 ألف ريال من جيبه الخاص للحصول على المنزل نفسه، الذي كان يرغب في شرائه، وكانت قيمته 850 ألف ريال فقط، ولكن ارتفع سعره بسبب الدعم.
نقطة أخرى رافقت الارتفاع الأخير للعقار وهي عودة تدوير الأراضي السكنية الصغيرة والمضاربة عليها، فمع غلاء أسعار الأراضي وحاجة طالبي السكن للأراضي الصغيرة فقد أصبحت المضاربة على هذه الأراضي “مساحات من 300 إلى 750 مترا” عالية جدا، واستغِل إعفاء هذه الأراضي من الضريبة- بهدف مساعدة المواطن في تملك سكنه استغلالاً سيئًا من قبل المضاربين بزيادة تدويرها، وهو ما رفع سعرها فوق المعقول والمقبول، مقارنة بسعر المتر للأراضي الكبيرة.
ولأن ضريبة القيمة المضافة بجميع مراحلها بعيدة عن وقف التدوير والمضاربة على الأراضي الصغيرة التي يحتاج إليها عامة الناس؛ لذا أعتقد أنه سيكون من المناسب تصميم وفرض ضريبة متزايدة على الأرض التي يتم بيعها أكثر من مرة خلال مدة معينة “ثلاث أو خمس سنوات”. فمشتري الأرض للمرة الأولى معفى من الضريبة، ولكن لو اشتراها وعرضها للبيع خلال مدة قصيرة من شرائه فيجب أن تفرض عليه ضريبة، والمشتري الثاني تفرض عليه ضريبة أكبر والثالث أكبر وأكبر.. وهكذا.
ولو تم تصميم وفرض ضريبة من هذا النوع لتأكدنا أن من يطلب الأرض ويشتريها غرضه البناء عليها فقط، وليس المضاربة عليها ورفع سعرها في السوق متأكدا وواثقا من حاجة الناس إليها وعدم دخولها في أي من مراحل الضريبة.
ختامًا، أزمة الإسكان رغم خفوتها خلال السنوات الثلاث الماضية إلا أنها ما زالت أزمة مستمرة، وكل تأخير في حل جوهر مشكلتها من جذوره يجعلها ما إن تخفت فترة حتى تعود أخرى لسبب أو لآخر، وما إن تتجاوز المربع الأول حتى تعود إليه، فالدعم والتمويل واستخدام كل أنواع القروض لن تفيد، ولن يتملك المواطن سكنه الخاص ما لم يبدأ الحل من الجذور العميقة المسببة فعليا للمشكلة.