«رؤية المملكة لعام 2030» كانت أشبه بنظرة مستقبلية تمثل تحولا في حياة المجتمع في المملكة، وهذه الرؤية لم تقدم أطرا نظرية ينتظرها المواطن بعد 14 عاما، بل بدأت بوادر البدء بها منذ إعلانها، ومن أجل وضع مجموعة من الاختبارات التي تضع تقييما لمدى تقدم الجهات ذات العلاقة في الوصول إلى هذه الرؤية تم الإعلان أيضا عن خطة التحول الوطني 2020 التي يتطلع المجتمع لتحقيق مجموعة من المبادرات التي تمثل اختبارا لقدرة الجهات ذات العلاقة على مواكبة تطلعات الوطن في عام 2030م، وبناء على ذلك قدمت مجموعة من الوزارات والمؤسسات الحكومية مبادرات لبرنامج التحول الوطني 2020 وهي مجموعة من المبادرات بنيت على أرقام ومؤشرات ومعايير إقليمية وعالمية بغرض تعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية وأن يكون أداؤها ضمن أفضل الممارسات العالمية أو الإقليمية على الأقل.
ومن المؤسسات الحكومية التي قدمت مجموعة من المبادرات وزارة الإسكان، ومن تلك المبادرات ما يتعلق بمكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي دخل الفرد السنوي، وقد وضعت خط الأساس لذلك مكرر عشر مرات وهو ما يمثل الوضع الحالي لقيمة الوحدات السكنية بناء على دخل المواطن، ووضعت المكرر المستهدف لعام 2020 ـــ وهو التاريخ المحدد للتحول الوطني ـــ خمس مرات مقارنة بدخل الفرد، وأشارت إلى أن المعيار الإقليمي يبلغ قرابة المرات السبع (6، 7) وأن المعيار العالمي لمكرر قيمة الوحدة السكنية مقارنة بدخل الفرد السنوي تبلغ ثلاث مرات.
ولا شك أن الوضع الحالي لتكلفة الوحدة السكنية مقارنة بدخل الفرد السنوي يعد عاليا جدا وهو ما كان له أثر في تأخر كثير من المواطنين في الحصول على سكن والمسكن يمثل أحد أهم مظاهر الاستقرار والرفاهية لدى المواطن، خصوصا مع العناية الحكومية به.
والسؤال هنا، كيف يمكن لوزارة الإسكان تحقيق ذلك خلال أربع سنوات؟ حيث تتطلع إلى أن تكون تكلفة السكن مكرر خمس مرات لدخل الفرد السنوي بدلا من عشر مرات بمعنى أن الفرد يمكن أن تتحقق له ملكية سكن مناسبة بنصف التكلفة التي يتكلفها حاليا خلال أربع سنوات في حال كان دخله ثابتا.
الحقيقة أن هذا الأمر يعد تحديا كبيرا للوزارة وللمجتمع أيضا والمتوقع أن يكون هناك مجموعة من الأمور التي يمكن أن تؤثر لتحقيق ذلك ومنها الزيادة في دخل الفرد، أو انخفاض قيمة الوحدة السكنية أو الاستفادة من طرق البناء الحديثة منخفضة التكلفة.
فيما يتعلق بارتفاع أجور الوظائف فقد يكون هذا الأمر فيه صعوبة إذ إنه يعتمد بشكل كبير على سوق العمل التي لا تعد وزارة الإسكان طرفا مؤثرا فيه بصورة مباشرة، أما ما يتعلق بانخفاض تكلفة الوحدات السكنية، فقد يكون من الصعب إيصال أسعار الوحدات السكنية حاليا إلى النصف، فلو حاولت الوزارة العمل على تكلفة الأرض من خلال الرسوم على الأراضي البيضاء إلا أنها لن تتمكن من تخفيض سعر تكلفة البناء التي غالبا ما تكون تكلفتها أعلى من نصف القيمة الإجمالية للمسكن، بل إن المتوقع أن تخفيض تكلفة الأرض قد يتبعه ارتفاع في تكلفة القوى العاملة والمواد بسبب زيادة الطلب. أما فيما يتعلق بالخيار الأخير وهو الاستفادة من طرق البناء الحديثة فهو خيار مهم ولكن مع الأسف ما زال قطاع التطوير العقاري متحفظا تجاه هذا الخيار.
من الأمور التي قد تكون تكررت الإشارة إليها من قبل وزير الإسكان مسألة تغيير فكرة أو ثقافة المجتمع تجاه شكل وحجم الوحدة السكنية لتهتم أكثر باحتياجات المواطن بدلا من التقليد السائد في شكل المسكن، حيث يمكن أن يبدأ المواطن بتملك شقة مثلا بدلا من البحث مباشرة عن فيلا تفوق احتياجه في بدايات تكوينه للأسرة. وهذا الخيار قد يكون الأقرب، حيث إن الوزارة يمكن أن تحقق ذلك من خلال نماذج قد تلقى قبولا واسعا من المواطن عند تجربتها وذلك بعد تحقيقها لاحتياجاته ووضع التشريعات والأنظمة التي تنظم العلاقة بين الساكنين، وهذا قد لا يكون أمرا مستحيلا، إذ إن هناك تجارب إقليمية وعالمية في مثل هذا الأمر. من المهم أن تراعي الوزارة مسألة تنوع الخيارات بناء على حالة الاحتياج والطرق المناسبة للمعالجة بين المدن الكبيرة التي تعد تكلفة المسكن فيها عالية وبين المدن الصغيرة التي غالبا ما تكون ظروف بناء وتكلفة السكن أقل بكثير. من المقترحات التي يمكن العمل عليها على المدى المتوسط، التي يمكن أن بعض المطورين بدأ بها الاهتمام بإيجاد ضواحٍ سكنية حول المدن الكبرى على أن تهتم الوزارة بتهيئة تلك الضواحي بالبنية التحتية والخدمات، إضافة إلى مد خطوط النقل العام إلى تلك المناطق من خلال الموارد التي ستحصل عليها من رسوم الأراضي البيضاء.
فالخلاصة أن مسألة تخفيض تكلفة مكرر سعر الوحدة السكنية بناء على الدخل السنوي للمواطن يعد تحديا كبيرا لوزارة الإسكان ويظهر أن الوزارة ستعمل على تقديم نماذج تهتم أكثر باحتياج المواطن بدلا من النمط السائد للبناء حاليا، ومن المقترح أن التفريق بين خيارات وشكل السكن بين المدن الكبيرة والصغيرة، إضافة إلى أهمية العناية بإنشاء ضواحٍ حول المدن الكبرى متكاملة الخدمات خصوصا النقل العام.