إعلان قرار الرسوم على الأراضي البيضاء كان أحد أهم القرارات التي تتعلق بموضوع يشغل المواطنين سواء المحتاج إلى السكن أو المستثمر العقاري، حيث وضع القرار حدا لكثير من التكهنات التي كانت سببا في إعاقة خطط البعض سواء للشراء أو الاستثمار في هذا القطاع المهم والمؤثر في المجتمع، وتمثل هذه الخطوة تحولا في شكل وهيكل ومستقبل الاستثمار العقاري وتخدم ـــ بإذن الله ـــ الجميع بما يشجع على استمرار النشاط العقاري ويسهم في تسهيل تحقيق التحول الوطني 2020 تمهيدا للوصول إلى «رؤية المملكة 2030» فيما يتعلق بزيادة نسبة تملك المواطنين للسكن، وهو إحدى أهم ركائز الاستقرار والرفاهية التي ستتحقق ــــ بإذن الله ـــ للمواطن.
الاستثمار العقاري في المملكة شهد تحولات في مراحل متعددة استفاد منها المستثمر العقاري قبل المواطن المحتاج إلى الأرض بغرض السكن، ففي بدايات الأمر خصوصا في المدن الكبرى كانت الأمانات في المدن تتولى مسألة التخطيط وإيصال الخدمات بالكامل، والمستثمر العقاري كان ينتظر ويطالب أمانات المدن بسرعة إيصال الخدمات إلى الأراضي التي تخصه وبعدها تتضاعف أسعار تلك العقارات، ومن ثم وبعد توسع المدن الكبرى وصعوبة إيصال الخدمات لكل قطعة أرض بدأت الأمانات في إلزام ملاك الأراضي الذين يريدون إيصال الخدمات إليها بتحمل جزء من التكلفة لتجهيز المخطط ليسهل بصورة أكبر وصول الخدمات للمواطن فكانت المناطق الجديدة الأكثر جاذبية وكان في هذا الإجراء معالجة لاحتمال وجود أزمة كانت ستجعل أسعار الأراضي التي تتمتع بالخدمات بأسعار عالية جدا، ورغم التكلفة الكبيرة التي يتكلفها المطور إلا أن هذا لم يمنع كثيرا من المطورين من أن يحقق عوائد جيدة من خلال هذا الإجراء بل ظهرت مجموعة جديدة من المستثمرين العقاريين الذين حققوا أرباحا عالية وارتقوا إلى مصاف كبار المستثمرين العقاريين في مناطقهم.
اليوم ونحن نشهد مرحلة جيدة يمر بها القطاع العقاري، قد تشهد تحولا جديدا في طبيعة وشكل الاستثمار العقاري وهو إصدار لائحة الرسوم على الأراضي البيضاء، التي تمثل تحولا في هذا القطاع، حيث سيتم فرض الرسوم على أربع مراحل يتم خلالها تحديد المدن، التي بدأت بمدن الرياض وجدة والدمام ومن ثم ستكون في مكة المكرمة والمدينة المنورة لاحقا وقد تتبعها مدن أخرى في المملكة بحسب الحاجة، هذا القرار سيكون بناء على الاحتياج بغرض تحقيق التوازن بين العرض والطلب ويحد من احتكار البعض للأراضي الذي من شأنه أن يدفع الأمانات في المناطق إلى مزيد من الامتداد في تخطيط المدينة دون حاجة بسبب بقاء كثير من الأراضي دون استغلال مع وجود حاجة ملحة إلى توفير مزيد من المساحات ليتمكن المواطن من البناء. وتأتي أهميته في هذه المرحلة باعتبار أن التوجه العام للتخصيص سيجعل من الأهمية وجود موارد لإيصال الخدمات الأساسية للأحياء السكنية بشكل أسرع،
لائحة رسوم الأراضي البيضاء كانت متدرجة في مراحل التطبيق، حيث تخفف من حجم الضرر الذي قد يلحق بالبعض وتشجع الملاك على تطوير أراضيهم للاستفادة منها، وفي الوقت نفسه سيكون لها أثر كبير في تغيير نمط الاستثمار بما يشجع على دخول مستثمرين لهذا القطاع واستقطاب مجموعة من الأموال والاستثمارات للقطاع العقاري وهذا سيستفيد منه المستثمرون حاليا في حال أنهم تكيفوا مع المتغيرات التي ستطرأ على هذا القطاع، وذلك بعد أن يتم ضخ متحصلات رسوم الأراضي في توفير الخدمات وتكاملها في الأحياء، التي سوف لا تقتصر على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والطرق بل ستشمل الخدمات التعليمية والصحية والأمنية، بل قد تسهل مستقبلا من وصول خدمات النقل العام وهذا في حد ذاته سيجعل من هذه الأحياء مواقع جاذبة للسكن. لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة وهي احتمالات وقوع التلاعب، حيث إنها لا تؤدي فقط إلى مخالفة القرار واستحقاق الغرامة بل قد تنشأ عنها نزاعات معقدة بسبب نقل ملكية بعض الأراضي بغرض التهرب من الرسوم، ولذلك ينبغي مراقبة عمليات البيع التي تلي القرار لرصد صور التحايل والوسائل المناسبة لمواجهة ذلك وتوعية الملاك بآثارها والعقوبات التي يمكن أن تقع عليهم بسبب ذلك.
فالخلاصة أن قرار الرسوم على الأراضي البيضاء تحول جديد في شكل وهيكل الاستثمار في القطاع العقاري، وقد تكون فيه فرصة جيدة لمن يتكيف مع هذا التغيير في تحقيق عوائد جيدة خصوصا أن متحصلات الرسوم سوف تتم الاستفادة منها في تحقيق تكامل شامل للخدمات في الأحياء السكنية.