في تقرير لصحيفة “الاقتصادية” تحدث عن الارتفاع في حجم ديون الأسر الأمريكية إلى أكثر من 14 تريليون دولار، وكما جاء في التقرير: “وبحسب “رويترز” أضاف المجلس في تقرير فصلي أن القروض العقارية للأسر الأمريكية زادت بمقدار 120 مليار دولار في الربع الرابع لتصل إلى 9.56 تريليون دولار. فيما ارتفعت الديون غير العقارية، بما في ذلك قروض السيارات وبطاقات الائتمان وقروض الطلاب، بمقدار 79 مليار دولار”.
وفي تقرير آخر في صحيفة “الاقتصادية” أيضا تحدث عن تضاعف حجم ديون الأسر في فنلندا إلى الضعف خلال عقدين، وقد لاحظ القارئ لكلا التقريرين أن هذا يحدث في دول تعد غنية، والأسر فيها تحصل على دخل جيد خصوصا في الولايات المتحدة التي تشهد تحسنا في الاقتصاد انعكس على حجم البطالة الذي انخفض إلى مستويات تاريخية، كما أن فنلندا تعد من الدول الإسكندنافية التي يعد دخل الفرد فيها عاليا وبالتالي قد يكون تضاعف حجم مديونيات الأسر أمرا مستغرباً إذ إن زيادة الدخل يفترض أن توفر وفرة للأفراد والأسر بصورة عامة بما يقلل احتمالية احتياجهم إلى الاستدانة، إلا أن الشواهد تخالف ذلك تماما خصوصا فيما يتعلق بالاستدانة الخاصة بالأفراد. أحد أهم أسباب زيادة الاستدانة عالميا هو التوسع في استخدام البطاقات الائتمانية التي إضافة إلى أنها تسهل عملية الاستدانة وتجعلها فورة دون مزيد من الإجراءات نجد أنها مكلفة جدا باعتبار أن كلفة التخلف عن سداد مديونياتها عالية مقارنة بالأصناف الأخرى من الديون ومن هنا يرى البعض أن مخاطرها اليوم عالية وكأنها بدأت في تشكيل فقاعة قد يصعب احتواؤها مستقبلا، والحقيقة إن مديونيات البطاقات الائتمانية تعد الأسوأ بسبب سهولة الاستدانة عن طريقها وتركيزها أكثر على المديونيات بغرض الاستهلاك إضافة إلى ارتفاع كلفة الفائدة عليها فقد تصل سنويا إلى ما يقارب 30 في المائة لدى الدول التي لا يكلف فيها الدين الاستهلاكي أكثر من 5 في المائة.
في الوقت الذي يمكن أن نصف الاستدانة من قبل الأفراد في حال وفرة الوظائف وتحسن دخل الفرد بأنها أمر مستغرب إلا أنها تحمل دلالات إيجابية نسبيا فيما يتعلق بالصورة العامة عن الاقتصاد حيث إن الديون لا تكون غالبا إلا في حال كان لدى المستدين ما يدل على ملاءته المالية وقدرته على السداد، فالمصارف وغيرها لا تقرض الفرد غير القادر على السداد إذ إن مخاطر ذلك عالية وقد تحمل كوارث لتلك المؤسسات، ولذلك لا تقدم تلك المؤسسات على التوسع في الإقراض أو التمويل إلا بعد أن تتأكد من قدرة الفرد على الاستدانة. كما أن الاستدانة بصورة عامة ستؤدي إلى مزيد من الإنفاق، ما ينشط بصورة عامة الاقتصاد المحلي إضافة إلى إيجاد مزيد من الوظائف ولها أثر في نمو الناتج المحلي، إضافة إلى مزيد من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وهذه نتائج إيجابية إجمالا على السوق.
في المقابل فإن الزيادة في حجم التمويل أو الإقراض فيما يتعلق بالفرد يعد سلبيا حيث إن الاقتراض يجعل الفرد يقتطع من دخله المستقبلي في ظل عدم ضمان استدامة الظروف الحالية، ومن هنا فإن مسألة التوسع للاستدانة لأسباب استهلاكية صرفة قد يؤدي إلى معاناة الأسر من الناحية المالية وعدم الاستفادة من الدخل الذي تحصل عليه شهريا، كما أنها تقلل فرص ادخار الأسر الذي عادة ما تكون الحاجة إليه ماسة في المستقبل خصوصا مع وجود احتياجات طارئة أو محتملة لا يفي دخل الفرد المعتاد بالوفاء بها. لكن في الوقت ذاته فإن هناك أسبابا للاستدانة يمكن أن يكون لها أثر إيجابي في الفرد خصوصا إذا ما كان ذلك يمكن أن يحقق له احتياجا ضروريا مثل السكن حيث إنه ضرورة للإنسان إضافة إلى أن الاستدانة بغرض السكن يمكن أن يحقق وفرة للمستفيد باعتبار أنه يخفف كلفة الإيجار كما أنه استثمار في أصول يمكن أن ترتفع أسعارها مستقبلا فتكون استدامة من أجل الاستخدام لكنه في الوقت نفسه استثمار على المدى البعيد.
الخلاصة: الوفرة المالية والتحسن إجمالا في الظروف الاقتصادية لا تمنعان من الاستدانة في الدول التي يعد دخل الفرد فيها عاليا بل على العكس من ذلك نجد في هذه الدول حصة الفرد من الديون الاستهلاكية الإجمالية أعلى بكثير من الدول المتوسطة أو الفقيرة، ومن هنا فإن الوعي بأثر تلك الاستدانة مهم كما أن الاستدانة لأسباب يمكن أن تقدم للمستفيد قيمة مضافة مثل الاستدانة لشراء السكن أو السلع المعمرة التي يحتاج إليها الفرد يمكن أن تلبي احتياجه وتخفض تكلفة الخيارات الأخرى.