في لقاء ماتع نظمته وزارة الإسكان من خلال مبادرتها للإسكان التنموي في ندوة حملت عنوان (استدامة موارد الإسكان التنموي.. الزكاة أنموذجا) بحضور نخبة من العلماء والمختصين والإعلاميين بغرض مناقشة هل يمكن أن يستفاد من موارد الزكاة لشراء مساكن للفقراء، أو بمفهوم أوسع لتمكين الفقراء من تملك المساكن؟
حيث إن الزكاة كما هو معلوم هي الركن الثالث من أركان الإسلام وهي أحد أهم الموارد التي يستفيد منها الفقير إذ يحظى بأولوية كأحد مصارف الزكاة، وهي حق فرضه الله في أموال الأغنياء للفقراء ضمن ثمانية أصناف نص عليها المولى -جل وعلا- في كتابه. ووزارة الإسكان في ظل سعيها الحثيث لتحقيق الأهداف التي رسمتها من أجل الوصول إلى النسب المتوقعة لنسبة تملك السكن لدى المواطنين تبحث عن خيارات متعددة من أجل تسهيل زيادة نسبة تملك المواطنين للسكن.
الندوة التي حضرها مجموعة من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة ناقشت إمكانية مساهمة الزكاة في معالجة مشكلة السكن للفقراء، خصوصا من مستحقي الضمان الاجتماعي، وركز النقاش على موضوع يتعلق بصرف الزكاة لشراء مسكن للفقير، بحيث يخفف ذلك على الفقير تكلفة الإيجار التي تعد من أكثر المصروفات التي يتكلفها الفرد، والإيجار عموما تنفق عليه الأسر في المملكة ما يزيد على نصف ما ينفقه الفرد على احتياجاته الضرورية الدورية، وكفاية الفقير في هذا الأمر لا تفي بجزء كبير من احتياجاته فقط، بل يوفر له مسكنا مناسبا بدلا من أن تكون خياراته منحصرة في مساكن رديئة متهالكة، بسبب غلاء إيجارات السكن المناسب.
وتلخصت الآراء في هذه الندوة بين من يرى جواز إنفاق الزكاة على شراء المسكن بصورة مطلقة، وبين من يرى أن مسألة إنفاق الزكاة في شراء مسكن زائد على قدر الحاجة ويكتفى بدفع الأجرة عنه سنويا ما دام محتاجا ومستحقا للزكاة، كما أن هناك من يرى أن يتم شراء المسكن له وفق ضوابط محددة تشجع المحتاج على العمل والاجتهاد من أجل أن يحافظ على هذا المسكن ويعتني به، حيث لا يبيعه أو يتصرف فيه بطريقة تتناقض مع القصد من شراء العقار له.
ومن خلال برامج وزارة الإسكان التي تعتمد على التنوع في الخيارات لمختلف شرائح المجتمع يمكن أن يستفاد من تلك البرامج، حيث إنه يتم الجمع بين هذه الآراء لتحقيق الرأي الفقهي المناسب، إضافة إلى المصلحة العامة لأكبر مجموعة من المحتاجين بما يحقق الاستدامة في مثل هذا البرنامج، والعدالة بين أفراد المجتمع، ولذلك يمكن الاستفادة من عقد الإيجار مع الوعد بالتملك الذي أصبح من أكثر العقود شيوعا في المصارف التي تقدم التمويل العقاري المتوافق مع الشريعة، حيث يتم إعانة المحتاج على الشراء من خلال عقد الإجارة ويتم دفع الأجرة أو جزء منها عنه من خلال الزكاة باعتبار أنه الاحتياج السنوي إليه، وبهذا تتم مراعاة احتمالات تغير حالة المحتاج إلى مستوى الغنى في المستقبل، حيث يمكن أن يكمل دفع الأقساط دون الحاجة إلى أموال الزكاة، وبهذا يمكن أن نقول إننا تمكنا من الإيفاء باحتياجه دون أن يكون في ذلك دفع مبلغ ضخم له لشراء المنزل منذ البداية، حيث يستفيد أعداد أكبر من المحتاجين للسكن.
هذه الخطوة تحتاج إلى أن تكون وفق ضوابط محددة وفي إطار الدعم لشريحة وفق معايير تحددها الوزارة وفي ظل العمل على الإعداد لـ”حساب المواطن”، حيث يكون قناة موحدة للدعم يمكن أن يستفاد من مثل هذا البرنامج حيث يدرج أو يكون بالتنسيق بين “حساب المواطن” ووزارة الإسكان، وقد أشار المختصون في الوزارة إلى أنه يوجد برنامج لبناء مساكن لا تتجاوز تكلفتها 250 ألف ريال بمساحة تفي بالحاجة وتعتبر أفضل من كثير من الوحدات السكنية المتاحة للإيجار مثل الشقق السكنية، وهذا برنامج يمكن تنفيذه في المدن الكبيرة والصغيرة على حد سواء.
فالخلاصة أن مسألة العناية بالإسكان وتنوع سبل تمكين المواطنين من تملك السكن بمختلف شرائحهم مهم، ومشاركة الفقهاء وأصحاب الفكر والمختصين يمكن أن تقدم خيارات تمكن وزارة الإسكان من نفع أكبر عدد ممكن من مختلف شرائح المجتمع وفق احتياجاتهم، ومن الحلول المتوازنة في هذا الأمر أن يتم تخصيص جزء من أموال الزكاة لمعالجة مشكلة السكن لدى المستحق للزكاة من خلال عقد الإيجار المنتهي بالتملك، بحيث يتم دفع القسط أو جزء منه عنه ما دام محتاجا ومستحقا للزكاة.