منذ أن تم إقرار نظام التمويل العقاري في المملكة وتمكين المصارف من تمويل الأفراد فقط بـ 70 في المائة من قيمة العقار بدأ الإقبال من البعض يقل على التمويل العقاري، خصوصًا في المصارف نظرا لصعوبة توفير 30 في المائة من القيمة الإجمالية للعقار، فعقار قيمته مليونا ريال يتطلب الموافقة على تمويله مبلغا لا يقل عن 600 ألف ريال، وهذا المبلغ قد يكون من الصعب توفيره نقدا عند الرغبة في الشراء، ولهذا كان لهذا الإجراء أثره في إحجام البعض عن الشراء.
بدأ التغيير في هذا الشرط من خلال السماح لشركات التمويل العقاري بتوفير 85 في المائة من قيمة العقار في حين يلزم العميل دفع 15 في المائة من قيمة العقار وذلك لأن هذه الشركات تمول عملاءها من أموالها الخاصة وليس من أموال المودعين، ولكن نظرا لأهمية تحقيق “رؤية المملكة” بتوفير فرص أكبر لتزيد فرص تملك المساكن للمواطنين، خصوصا أن برنامج التحول الوطني 2020 حدد الهدف بنسبة 52 في المائة من النسبة الحالية التي لا تتجاوز نسبة التملك للمواطنين 47 في المائة والصعوبة ليست في تمكين 5 في المائة من غير المتملكين حاليا لأن يتملكوا مساكنهم، بل مجاراة حجم النمو السكاني لتسهيل تمكين فئة الشباب المقبلين على تكوين أسر خلال ثلاثة أعوام مقبلة من زيادة فرص تملك مساكنهم، ولهذا وافقت مؤسسة النقد على تخفيض النسبة المفروضة على العملاء للتمويل العقاري الأول لهم.
لا شك أن التمويل أحد أهم العناصر التي يمكن أن تمكن المواطن من تملك العقار، ولكن لا بد أن ندرك أن هناك مجموعة من المتغيرات التي أثرت في قرار المواطن التي منها أن كثيرا من المواطنين لديهم قناعة أن أسعار العقار الحالية غير مناسبة وأن الأسعار ستميل إلى الانخفاض مستقبلا وبالتالي فإن الإقبال على الشراء قد يكون أقل من المتوقع حتى مع قدرة العميل على توفير المبلغ المطلوب. من المتغيرات أن تكلفة التمويل أصبحت تميل إلى الارتفاع بسبب الارتفاع الذي تم في أسعار الفائدة خصوصا بعد رفع الولايات المتحدة معدل الفائدة على الدولار الذي يتوقع أن يستمر بالوتيرة نفسها مستقبلا وهذا ما قد يزيد من التكلفة النهائية للعقار حتى مع توقع انخفاض الأسعار.
من الأمور التي يمكن أن تؤثر في مسألة تملك المواطنين هو إحجام كثير من المطورين عن إنشاء مشاريع جديدة تتناسب مع متطلبات المواطن، فضعف السوق يدفع بهم إلى التوقف عن إنشاء أي مشاريع جديدة، خصوصا إذا ما كان هناك قناعة بوجود ضعف في الطلب على السكن، حيث إن المطور يتكلف في إنشاء هذه المشاريع مبالغ كبيرة قد يكون جزء منها فيه تكلفة إضافية بسبب التمويل من خلال المصارف وبارتفاع تكلفة التمويل وزيادة المخاطر عليه ستكون مخاطر التطوير العقاري أعلى وبالتالي سيتوقف البعض عن الاستثمار فيه.
لا شك أن العامل النفسي للسوق لا يمكن أن تتحكم فيه الجهات التشريعية وتدخلها فيه أحيانا قد يؤدي إلى مساءلتها من قبل المجتمع خصوصا عندما تخالف توقعاتها السوق، ولذلك دائما ما تكون المؤسسة الحكومية طرفا محايدا في مثل هذه الظروف، ولكن من الممكن التفكير في بعض المقترحات التي يمكن أن تشجع بعض المواطنين على التملك وبالتالي يمكن الوصول إلى النسبة المستهدفة في عام 2020.
لعل من أهم الخيارات أن تعيد وزارة الإسكان النظر في أحد أساليب التمويل التي كانت هي السائدة في الماضي من خلال الإقراض المباشر للأفراد وهذا ينبغي أن يستهدف بصورة رئيسة المواطنين في المدن الصغيرة التي غالبا ما تكون أسعار الأراضي السكنية فيها منخفضة، كما أن هذه الشريحة غالبا لا تتكلف في البناء، حيث إن المبلغ المخصص قد يغطي جزءا كبيرا من تكلفة البناء خصوصا في الفترة الحالية التي تعد فيها الأسعار للمواد والأيدي العاملة مناسبة مقارنة بالسابق.
التعاون مع جهات التمويل التي يمكن أن توفر نوعا من التمويل للأفراد من خلال الإيجار مع الخيار في المستقبل بعد مرور خمس سنوات مثلا بين الشراء أو العدول عنه، حيث إن قلق المواطن هو من انخفاض الأسعار وبتوفير مثل هذا النوع من التمويل يمكن أن يزداد الإقبال من المواطنين خصوصا عندما لا يتحمل المواطن مخاطر انخفاض الأسعار، وتغطية هذه المخاطر يمكن أن تكون من خلال منتجات التحوط التي قد تحمي المؤسسة المالية في الوقت نفسه من المخاطر.
فالخلاصة أن قرار مؤسسة النقد بزيادة النسبة التي يمكن أن تقدمها المصارف لتمويل شراء المسكن للمواطن بهدف تحقيق أحد أهداف برنامج التحول الوطني 2020 قد يصطدم بضعف الإقبال على شراء المساكن وهنا تأتي أهمية زيادة الخيارات التي منها الاستمرار في توفير التمويل من خلال الإقراض الذي يمكن أن يقدمه الصندوق العقاري خصوصا لسكان المدن الأصغر في المملكة، كما يمكن تقديم برامج تمويل تتضمن تحوطا كي لا يتم تحميل المواطن مخاطر انخفاض الأسعار.
15 يناير 2017