في كل تقرير جديد تصدره مؤسسة النقد والجهات المختصة بالدراسات في موضوع التمويل نجد أن هناك نموا مستمرا للطلب على التمويل في المجتمع، خصوصا الاستهلاكي منه بمختلف صوره وأشكاله ورغم صرامة الأنظمة والضوابط للتمويل لدى المصارف السعودية بأنظمة سبق أن صدرت من مؤسسة النقد إلا أن النسبة تتزايد عاما بعد عام في مؤشر سلبي للوضع المالي العام للأفراد.
في دراسة نشرت بصحيفة “الرياض” تتعلق بحجم القروض الاستهلاكية في دول الخليج يلاحظ الحجم الهائل لهذه القروض عطفا على عدد السكان في دول الخليج ورغم أن الأرقام بالمملكة كبيرة إلا أن المملكة تعتبر الأقل عطفا على عدد السكان في حين جاءت دول قطر والإمارات والكويت في مقدمة الدول فيما يتعلق بنسبة القروض الاستهلاكية والعقارية كنسبة وتناسب لعدد السكان مقارنة بالمملكة التي تعتبر الأقل وبفارق كبير عن الدول الثلاث.
الميزة فيما يتعلق بالتمويل في الدول الثلاث قطر والإمارات والكويت هي أن نسبة القروض العقارية للقروض الاستهلاكية عالية مقارنة بالمملكة والبحرين وعمان، التي نجد أن القروض العقارية فيها أقل من القروض الاستهلاكية الأخرى.
الترشيد في اللغة العربية مأخوذ من الرشد وهو حسن التصرف في الأمور، وهو مرحلة في عمر الإنسان يصل إليها تتكامل فيها الأدوات اللازمة لاتخاذ القرار الصحيح، والترشيد في الاقتصاد هو وسائل يمكن بها تحسين الإنتاج وزيادته مع التقليل في التكلفة، والترشيد هنا فيما يتعلق بطلب التمويل خصوصا فيما يتعلق بالاستهلاك، ينبغي أن يكون على أسس يمكن أن تحسن ظروف الإنسان المعيشية وتخفف من الأعباء المالية عليه مستقبلا، ولذلك فإن طلب التمويل لا يعتبر في كل الأحوال سلبيا بل قد يكون في بعض الأحوال مطلبا أو حاجة يمكن أن تحسن من الظروف المعيشية للأفراد، فزيادة الطلب على التمويل العقاري لا تعتبر سببا في كل الأحوال مع الحرص على تجنبه حال تقلبات الأسعار في السوق، إذ إن طلب التمويل لشراء الوحدة السكنية مثلا له أثر إيجابي في تخفيف الأعباء المالية على الأفراد مستقبلا، ولذلك إذا كانت نسب التمويل العقاري متقاربة مع عموم صورة التمويل الاستهلاكي فإن ذلك قد يكون جيدا ويتناسب مع فكرة الترشيد التي تسعى إلى الكفاءة في الإنفاق.
في المقابل نجد أن هناك إشكالا متعددة من صور ضعف الترشيد في كثير من صور التمويل الاستهلاكي الذي غالبا ما يصرف في مجموعة من السلع والخدمات الكمالية التي تؤدي إلى زيادة الأعباء مستقبلا على الفرد وهنا تأتي المفارقة بين المديونية السلبية التي تمثل عبئا في المستقبل والمديونية الإيجابية التي يمكن أن تكون أحد أسباب تحقيق احتياجات الفرد في وقت مبكر، ويكون له أثر في تخفيف مجموعة من التكاليف والأعباء إضافة إلى التحوط من تقلبات الأسعار فيما يتعلق بالاحتياجات التي تزيد غالبا من تكلفة الأشياء في المستقبل.
إجراءات مؤسسة النقد فيما يتعلق بالتمويل العقاري كانت إلى حد ما متشددة بسبب صعوبة الحصول على التمويل من قبل الأفراد نظرا لعدم إمكانية توفير الأفراد نسبة الـ 30 في المائة من قيمة العقار ليتمكن الفرد من الحصول على بقية قيمة العقار من خلال التمويل الذي تقدمه المصارف أو شركات التمويل العقاري له، ولعل للمؤسسة وجهة نظر في ذلك لكنه انعكس على واقع التمويل، في المقابل حجم التمويل الاستهلاكي تجاوز نسبة التمويل العقاري بأكثر من ثلاثة أضعاف.
يبقى أن حجم التمويل في دول الخليج مثل قطر والإمارات والكويت مبالغ فيه، ويعكس صورة ضعف الوعي في المجتمع التي قد تقود إلى كوارث مالية للأفراد خصوصا مع حصول بعض التقلبات الاقتصادية كالتي نشهدها اليوم، وضبط الأمور من خلال المؤسسات الرسمية مطلب لا بد منه، فإفلاس الأفراد كارثة على الأسر في المجتمع وقد تقود إلى أعباء كبيرة على المؤسسات الاجتماعية التي ستجد أن حجم الطلبات على الإعانات من المجتمع ستتزايد وموارد هذه المؤسسات ستقل.
فالخلاصة أن حجم التمويل الاستهلاكي في المجتمعات الخليجية مبالغ فيه والملاحظ أن تحسن الوضع المالي للبعض لم يمنع من زيادة الطلب على التمويل الاستهلاكي، والتمويل عموما ليس سلبيا إذا ما كان موجها إلى احتياجات قد تخفف الأعباء على الأفراد مستقبلا، وهذا الترشيد المطلوب في طلب التمويل الذي يعتمد على قدرة الفرد وكفاءته في تقدير السبب المناسب لطلب التمويل ومدى قدرته على الوفاء به بصورة تقدم له إضافة في المستقبل.