السكن هو إحدى أهم القضايا التي تشغل المواطن اليوم، وهو القضية التي شغلت الكثير من الأفراد الذين يحتاجون إلى السكن إضافة إلى الكتاب والصحافيين وكثير من الباحثين باعتبار أنها قضية اجتماعية مهمة لها أثر كبير في تحقيق الاستقرار والرفاهية للمواطن، خصوصا أن نسب الأسر التي لا تمتلك سكنا حاليا تصل إلى 53 في المائة، وأن أعداد الأسر السعودية في ازدياد بسبب أن الشريحة الأكبر من السكان هم من فئة الشباب، وهذه الحالة جعلت مسألة زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن تحديا كبيرا يحتاج إلى مجموعة من الحلول والخيارات.
وزارة الإسكان، بحسب ما جاء في ويكيبيديا، تهدف إلى أن تحكم جوانب تتعلق بالإسكان في الدولة وتيسر مسألة وفرة السكن سواء الإيجارات أو الشراء بقيمة معقولة affordable housing وهذا بحسب الرسالة التي تقوم عليها هيئة الإسكان أو وزارة الإسكان في بعض دول العالم، بل قد يذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك من العمل على توفير السكن بالمجان ـــ وليس تمليكه أي دون أجرة ـــ للمستحقين كما تقدمه بعض المؤسسات الاجتماعية والخيرية. أما فيما يتعلق بوزارة الإسكان في المملكة فرسالة الوزارة هي استحداث وتطوير برامج لتحفيز القطاعين الخاص والعام من خلال التعاون والشراكة في التنظيم والتخطيط والرقابة لتيسير السكن لجميع فئات المجتمع بالسعر والجودة المناسبين، وذلك بغرض تمكين الطلب ودعم العرض. ورسالة الوزارة تتسق مع ما سبق الهدف من هيئات الإسكان أو وزارات الإسكان.
اعتمدت الوزارة في استراتيجيتها على خمسة أهداف، أهمها فيما يتعلق بتوفير السكن للمواطن مسألة تحفيز المعروض العقاري ورفع الإنتاجية لتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة المناسبين، وتمكين المواطن من الحصول على تمويل سكني مناسب.
الحقيقة أن وزارة الإسكان اليوم بدأت تعدل عن الاستراتيجية السابقة التي كانت تعمل عليها بغرض توفير السكن الملائم للمواطن من خلال البناء بصورة مباشرة وهذا ما جعل عمل وزارة الإسكان يأخذ مدة طويلة ولم يحقق احتياجات جزء يسير من قوائم الانتظار لديها مع العلم أن قوائم الانتظار تزيد باستمرار بسبب التحاق أسر جديدة سنويا بقوائم الانتظار.
تنظيم السوق العقارية أو سوق الإسكان على وجه الخصوص من الأمور المهمة جدا بالنسبة للمواطنين باعتبار أنها قضية تهم جميع المواطنين دون استثناء، ومع حرص الوزارة على التنوع في البرامج بما يحقق زيادة مستمرة في نسب تملك المواطنين للسكن بما يوائم بين خطط المملكة التنموية ورؤيتها الاستراتيجية للفترة المقبلة، التي وضعت لها بتاريخ في عام 2030، لا بد من الإشارة إلى قضايا مهمة في هذا الإطار.
العناية باحتياجات المواطنين في المدن الصغيرة والقرى، حيث إن الصوت الأعلى هو لسكان المدن الكبرى، التي ركزت فيها على ارتفاع تكلفة الأراضي ووجوب فرض رسوم على الأراضي البيضاء باعتبار أنها الحل لمسألة السكن للمواطنين في حين أنه في المدن الصغيرة، التي نجد أن أسعار الأراضي فيها مناسبة جدا إضافة إلى أنه من الممكن تقديم منح أراض بالمجان للمواطنين لوفرة الأراضي في تلك المدن، وهذه الفئة يناسبها التمويل المباشر باعتبار أن الأرض ليست عبئا ولا تجد غالبا في المدن الصغيرة استثمارات للمطورين العقاريين ولو وجد مطورون عقاريون في تلك المدن فإن الأسعار ستكون مبالغا فيها وسيعمد هؤلاء المطورون إلى فرض نمط بناء المدن الكبيرة الذي غالبا ما يكون مكلفا مقارنة باحتياجات أبناء المدن الصغيرة والقرى والهجر.
من المهم ألا تنأى الوزارة تماما عن مشاريع بناء الوحدات السكنية خصوصا في بعض المناطق مثل ما تم في مدن في جازان وحفر الباطن وما أعلن عنه في رياض الخبراء، ففي تلك المدن يوجد محدودو الدخل الذين لا يستطيعون توفير سكن مناسب لهم، فالوزارة معنية بمثل هذه الشريحة من خلال تشجيع المؤسسات الاجتماعية في الإسهام بدور إيجابي بتوفير السكن بإشراف الوزارة، حيث يتم تسليم هذه المنازل للمحتاجين بحسب إمكاناتهم المادية دون التضييق عليهم، وتوجد تجربة لبعض دول العالم مثل ما حصل في بريطانيا بتمليك محدودي الدخل مساكن تملكها الحكومة بأسعار مناسبة تقل عن أسعار تلك المساكن في السوق، وهذا قد يكون غير مناسب في المدن الكبيرة خشية إيجاد تجمعات قد تكون بيئة خصبة لمجتمع قد تكثر فيه الجريمة ولكن سيكون مناسبا للمدن الصغيرة.
من المهم أيضا العناية بفئة الشباب كأولوية في تقديم خيارات تملك السكن أو في بعض برامج الوزارة ـــ وهذا الرأي وإن كان يختلف عما هو سائد في المجتمع بتقديم الأكبر سنا في الطلب ـــ إلا أن الهدف من ذلك معالجة مشكلة السكن بصورة أكثر شمولية، حيث إن عائل الأسرة الكبير غالبا ما تتقلص أعداد أسرته مع الوقت فيكون أقل حاجة إلى المسكن الكبير خصوصا إذا ما كان على قوائم الانتظار لفترة طويلة نسبيا، في حين أن شريحة الشباب التي تتقدم بالطلب على السكن في سن 25 قد تتضاعف أعداد الأسرة لديه مع بلوغ سن 30 أو 35، إضافة إلى أن من بلغ سن الـ 60 سيكون أكثر سرورا برؤية ابنه متملكا للسكن، حيث إن معظم المواطنين عندما تسأله عن سبب حرصه على تملك السكن ستجد أن الإجابة حتى يرث أبنائي سكنا لهم من بعدي.
فالخلاصة أن استراتيجية وزارة الإسكان الحالية متسقة أكثر من الهدف من إنشاء هيئة أو وزارة للإسكان في دول العالم، ولكن من المهم أن تبقي الوزارة على البرامج السابقة في إقراض المواطن الذي يملك أرضا كخيار للبعض باعتبار أنه يناسب شريحة كبيرة من الأفراد، كما ينبغي ألا تغفل الوزارة حاجة أبناء المدن الصغيرة والقرى، إضافة إلى أن العناية بشريحة الشباب في التملك قد تكون الطريقة المثلى لزيادة نسبة تملك المواطنين.