تم الإعلان عن ميزانية تاريخية للمملكة في هذا العام المالي 1439 ــ 1440هـ للعام الميلادي 2018 والمقدرة بـ978 مليار ريال بعجز مقدر بـ195 مليار ريال، وتتسم هذه الميزانية بأنها تأتي في وقت بدأت تتضح فيه نتائج مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، التي تم العمل عليها بعد إعلان “رؤية المملكة 2030” وبرنامج “التحول الوطني 2020” والتي يمكن أن تنعكس بصورة واضحة على الإيرادات، حيث إن هذا العام سيبدأ فيه تطبيق بعض الإجراءات التي يمكن أن تعزز من الموارد المالية للناتج المحلي بعيدا عن الاعتماد عن النفط، فمن تلك البرامج البدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى الضريبة الانتقائية، التي بدأ تطبيقها في منتصف العام الحالي 2017، والرسوم التي تم فرضها على الأراضي البيضاء، وفق معايير تم إعلانها في حينه، وفق خطة تهدف إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الأراضي للمواطنين الذين لا يملكون سكنًا، كما أن هذا العام سيتم البدء في فرض رسوم على المقيمين تراوح بين 300 و400 ريال، إضافة إلى رسوم على التابعين للمقيمين، كما أنه يتم العمل على مجموعة من الإجراءات لتحقيق موارد من خلال التأشيرات للدخول للمملكة وبرنامج لتحرير أسعار الوقود والطاقة وبعض الخدمات التي يمكن أن تعزز من موارد الدولة غير النفطية.
فبحسب ما أعلن في الميزانية، فإن 50 في المائة جاء من خلال موارد المملكة من النفط في حين أن 30 في المائة من غير القطاع النفطي بمختلف أنواعه و20 في المائة جاء من خلال أدوات الدين من خلال برامج مثل طرح الصكوك الإسلامية.
من ملامح ميزانية عام 2018 أن فيها توزيعا أمثل للثروة، حيث تم العمل على تعزيز الموارد من خلال برامج للضريبة، كما في ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، إضافة إلى التوجه إلى تحرير أسعار الطاقة. وفي المقابل يوجد برامج موازية للحد من تأثر الفئة الأقل دخلا في المملكة من المواطنين من خلال حساب المواطن الذي يركز الدعم للفئات الأكثر استحقاقا، ويتوقع أن تكون ميزانية حساب المواطن في حدود 32 مليار ريال في عام 2018. وهذا الدعم يهدف إلى تعويض معظم المواطنين بشكل كامل أو جزئي عن أثر هذه الإجراءات، وهذا جزء من التوظيف الأمثل للموارد والكفاءة في الإنفاق، حيث إن الدعم يفترض أن يستهدف المواطن الأكثر حاجة بدلا من أن يكون للعموم بما يؤدي إلى الحد من الهدر للموارد، وسوء توظيف الدعم بسبب أن الفئة التي تستفيد فعليا بشكل أكبر من الدعم هم من الفئة غير المحتاجة لذلك الدعم، كما أن من البرامج التي يتم العمل والتركيز عليها حاليا وذكرت بشكل مباشر في إعلان الميزانية مسألة دعم الإسكان وتسهيل حصول المواطن على مسكن واليوم نشاهد مجموعة من البرامج، التي تهدف إلى الإنفاق الكفء والمستديم لتحقيق فرص أكبر للمواطن للحصول على مسكن مناسب.
لعل أحد أهم المتغيرات التي تشهدها الميزانية الحكومية الحالية والمتوقع الاستمرار في تطبيقها على مدى الأعوام القادمة هو التوظيف الأمثل لموارد الدولة، إذ إن زيادة الموارد من خلال مجموعة متنوعة من البرامج التي تم البدء بها حاليًا، والمتوقع التوسع فيها مستقبلا ستزيد من الحراك والنشاط الاقتصادي في المملكة، فإضافة إلى التوازن والكفاءة في توزيع الدعم للمواطن أو للشريحة المستحقة بشكل أكبر من المواطنين نجد أيضًا أن هناك برنامجا تم البدء به حاليا لدعم الأنشطة الاقتصادية فقد تم اعتماد أكثر من 70 مليار ريال لدعم القطاع الخاص، وتشجيع رواد الأعمال من الشباب على البدء في أنشطتهم الاقتصادية الخاصة، كما أنه تم دعم زيادة فرص العمل من خلال تخصيص بعض الأنشطة الاقتصادية لتكون خاصة بالمواطنين، وقد حقق ذلك هدفين الأول توفير الوظائف للمواطنين، والثاني تشجيع رواد الأعمال لدخول تلك الأنشطة الاقتصادية.
بطبيعة الحال، فإننا نجد أن هذه الإحصائيات والتقديرات تأتي متحفظة والكفاءة في إدارة الموارد يمكن أن تحقق نتائج إيجابية غير متوقعة وبشكل غير مباشر، فلا زال أثر الإصلاحات الاقتصادية يمكن أن يحقق فرصا جيدة تحسن من الظروف المعيشية للمواطن، وذلك من خلال إيجاد فرص أكثر للكسب للمواطنين، وبالتالي سيخف الطلب على الإعانة من حساب المواطن، خصوصا مع برامج التوطين الحالية والمتوقعة مستقبلا، كما أن هذه الفئة ستسهم في الدعم من خلال زيادة الموارد، والإصلاح الاقتصادي الذي سيعزز من زيادة الأنشطة الاقتصادية، سواء من خلال إسهام المواطنين، خصوصا من المشاريع الجديدة الصغيرة والمتوسطة، التي بدأت تكون خيارا جاذبا للشباب رواد الأعمال اليوم، أو من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي ستضيف كثيرا للنشاط الاقتصادي، ولا ننسى أن برامج التنمية اليوم تهدف إلى الإنفاق الرأسمالي من خلال برامج استثمارية داخليا وخارجيا وعدم التركيز فقط على المشاريع والخدمات والبنية التحتية، فبرامج صندوق الاستثمارات العامة يمكن أن تحقق دخلا جيدا على المدى المتوسط والبعيد لتحقيق موارد مستدامة للاقتصاد الوطني.
برنامج المملكة للخصخصة وتشجيع إسهام المؤسسات الحكومية في الناتج المحلي سيكون له أثر كبير في نشر ثقافة كفاءة الإنفاق داخل المؤسسات الحكومية، وهذا من شأنه أن يخفف من حجم الإنفاق الحكومي على كثير من البرامج.
فالخلاصة أن من أهم ملامح ميزانية عام 2018 أنها تأتي في ظل العناية بكفاءة الإنفاق والعمل على تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط، والبدء في مجموعة من البرامج الخاصة بالتوظيف الأمثل للدعم من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة وتعديل أسعار الوقود والطاقة والبدء ببرنامج حساب المواطن، الذي يحقق توزيعا أكثر عدالة للموارد بتوجيه الدعم للمواطنين الأقل دخلا ببرنامج التوازن المالي وفرض ضريبة القيمة المضافة للسلع والخدمات.