العقار والسكن هو أحد أهم القضايا التي تشغل المواطن بالمملكة اليوم وذلك ليس فقط للأفراد الذين يبحثون أو يأملون في الحصول على سكن، بل على مستوى أكبر من ذلك إذ إن لذلك علاقة بحجم الطلب على التمويل العقاري للقطاع المصرفي أو شركات التمويل العقاري، وهو يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المقاولين والمطورين العقاريين، بل يتعدى إلى كثير من القطاعات التي تتأثر بصورة كبيرة بأي نشاط أو حركة في القطاع العقاري، إذ إن القطاع العقاري يمثل أحد أهم القطاعات حجما ونشاطا في المملكة بصورة خاصة ومنطقة الخليج بشكل عام.
بطبيعة الحال ما زالت أسعار العقار بوضعها الحالي وبالحلول التي تقدمها شركات التطوير العقاري وتكلفتها التمويلية تعتبر مكلفة جدا لكثير من الأفراد الذين يجدون أن هذه الأسعار لا تتناسب وملاءتهم المالية في ظل اعتمادهم على مصادر محدودة للدخل، في حين أنه في الطرف الآخر يوجد مجموعة لا بأس بها من الأفراد الذين لديهم الملاءة المالية والقدرة على الشراء سواء من خلال ما يمتلكونه نقدا أو الاستعانة بوسائل التمويل المختلفة سواء من خلال المصارف وشركات التمويل العقاري أو من خلال الدعم الحكومي أو من خلال دعم شركاتهم التي يعملون فيها، وجزء من هذه الفئة محجم عن الشراء لسبب بسيط وهو الشعور بأن الأسعار في طريقها للانخفاض بصورة أكبر من وضعها الحالي، حيث إن المؤشرات تظهر أن هناك انخفاضا وإن كان محدودا في قطع الأراضي السكنية، ولكن في المقابل هناك انخفاض أيضا في تكلفة مواد البناء إضافة إلى انخفاض في تكلفة القوى العاملة، والمؤشرات تظهر أنه ليس هناك على المدى القصير مشاريع حكومية عملاقة في البنى التحتية، إذ تم إنجاز الأهم منها، والفترة المقبلة سيكون الإنفاق على المشاريع الحكومية محدودا، وقد يكون على فترات طويلة نوعا ما، وهذا بالتأكيد سيكون له أثر في انخفاض الأسعار.
ولكن هناك مجموعة من القضايا التي قد تؤثر سلبا في حالة الاستثمارات العقارية بغرض السكن، إذ إن هناك إحجاما كبيرا من المطورين عن الاستثمار في بناء الوحدات السكنية، خصوصا أن بعض هذه الشركات أصبحت لديها وفرة في المعروض من الوحدات السكنية وبعضها الآخر قلق على حالة السوق، مع وجود استثمارات محدودة للبعض، ولذلك سوف تقل الاستثمارات في بناء الوحدات السكنية، الأمر الآخر أن تكلفة التمويل اليوم قد تكون معقولة نوعا ما لكن مستقبلا ستكون – والله أعلم – مرشحة للازدياد بسبب وجود خيارات إضافية للمصارف وشركات التمويل للاستثمار في الصكوك الإسلامية والسندات الحكومية التي أصبحت تحقق عوائد أفضل من ذي قبل، كما أن المؤشرات تشير إلى أن مستوى السيولة بدأ ينخفض لدى المصارف وهذا يحد من حجم المعروض النقدي وفرص التمويل منخفض التكلفة.
لا شك أن الوضع الحالي محير لكثير من الأفراد خصوصا أنه عندما ينوي الشراء يجد أن احتمالات الانخفاض أصبحت أكبر ومع إضافة تكلفة التمويل نجد أن الزيادة عليه في التكلفة أصبحت كبيرة، وهذا سيؤدي إلى أن يكون جزء كبير من الأفراد مراقبا لفترة لا يضمن خلالها أن الأسعار ستنخفض أكثر أو أنها ستبقى على حالها، وفي هذه المرحلة توجد أهمية كبيرة لإعداد الدراسات من جهات مستقلة، التي تستقرئ حالة السوق العقارية خصوصا السكني منها خلال فترة لا تقل عن أربعة عقود ماضية، والمتغيرات المحتملة مستقبلا خصوصا مع وجود متغيرات محلية وعالمية، كما توجد أهمية لوجود مستشارين مستقلين أو يتبعون جهات حكومية أو مؤسسات اجتماعية أو من خلال مبادرات لمختصين في المجتمع لتقديم الاستشارة لكل فرد بحسب حالته، آخذا بالاعتبار ملاءته المالية وتكلفة بقائه دون شراء السكن بوضعه الحالي، إذ إن البعض في ظل إحجامه عن الشراء يتكلف دفع إيجار سنوي مكلف جدا، كما أن الخيارات مستقبلا قد لا تكون بمستوى ما هو متاح حاليا في ظل انخفاض حجم الاستثمارات في بناء الوحدات السكنية.
فالخلاصة إن موضوع السكن من القضايا المهمة لكثير من المواطنين وفي ظل التقلبات والمتغيرات الحالية من المهم وجود دراسات واستقصاء لحالة السوق العقارية ومستقبلها، آخذا بالاعتبار دراسة الحالة خلال العقود الخمسة الماضية. ومن المهم أيضا تقديم الاستشارة المتخصصة من جهات مستقلة في هذا المجال للأفراد من خلال تنظيم ذلك بدعم من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة أو المؤسسات الاجتماعية أو مبادرات متخصصين مرخصين لتقديم الاستشارة لكل فرد بحسب حالته وظروفه.