الإجارة هي أحد العقود التي دائما ما ترد فيها إشكالات متعددة بين طرفي العلاقة التعاقدية وهما المؤجر والمستأجر، فإذا ما تمت مقارنته بعقد البيع الذي يعد أكثر انتشارا من عقد الإجارة إلا أن الإشكالات فيه أقل بكثير ولعل أحد أهم أسباب الإشكالات والنزاع الذي يكون في عقد الإجارة هو أنه عقد يؤطر لعلاقة مستمرة بين طرفين تنتهي بانتهاء العقد الذي قد يستمر إلى سنوات بخلاف البيع الذي لا تتجاوز العلاقة بين الطرفين في بعض الأحوال عن دقائق أو ثوان فقط، ولذلك كان كثير من الخلافات بين الأطراف في علاقة عقد الإجارة ينتهي بنزاعات لا يمكن حلها أو إنهاؤها إلا برفع النزاع للمحكمة أو أن يتنازل أحد الأطراف مرغما عن حقه باعتبار أن المطالبة قد تأخذ وقتا وفي حال لم يكن العقد موثقا بما يكفي فإنه لن يجد لديه أي مستند يمكن أن يعتمد عليه للحصول على حقه.
برنامج إيجار الذي يتضمن عقدا موحدا من خلال جهة رسمية مخولة بتنظيم سوق الإيجارات له آثار إيجابية جيدة للأطراف ذات العلاقة سواء المؤجر أو المستأجر ففي الوقت الذي نجد فيه كثيرا من المستثمرين يعانون مسألة دفع الإيجارات من قبل المستأجرين سواء كان ذلك في القطاع التجاري أو السكني نجد أن المؤجر يفرض في بعض الأحيان شروطا مجحفة نوعا ما بغرض التحقق من التزام المستأجر وهذا نتيجة لعدم الثقة بالتزام المستأجر، كما أن الجانب الإنساني في موضوع الإيجار له أثره في تأخير حقوق البعض حيث إن الإجراءات النظامية تتطلب وقتا كي لا يكون في الإجراء ضرر على المستأجر وأسرته خصوصا فيما يتعلق بتأخير الأجرة من قبل المستأجر وإصرار المؤجر على المطالبة بتسديد الأجرة أو إخلاء العقار، وذلك قد ينتهي بضرر على المستأجر بسبب تراكم الأجرة ومطالبته بإخلاء المنزل ولو كان هناك إجراء فوري لعمل على حل الإشكال في وقت مبكر قبل أن تتحول إلى أزمة تتعلق به وبأسرته.
العقد الموحد يتميز بأنه عقد تأخذ به الجهات الرسمية على أساس أنه سند تنفيذي يخفف كثيرا من الإجراءات على الجهات القضائية حيث إن القضايا المتعلقة بالخلافات الخاصة بالإيجارات كثيرة ومرهقة للمحاكم خصوصا مع تباين نماذج العقود التي لا تكفي في تحديد العلاقة بين طرفي العقد، ونجدها تتفاقم أكثر بفعل بعض المتغيرات الاقتصادية، وشعور المستأجر بوجود فرصة للمماطلة يجعله لا يتخذ الإجراء المناسب تجاه تلك المتغيرات بما يخفف العبء عليه، كما أن البعض منهم قد يمارس مواقف أشبه بالكيدية إذ إن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المؤجر بعد فترة من المطالبة الأجرة المطلوبة أو جزء منها وفي بعض الأحوال يحصل على تنازل من المؤجر، وهذا في الوقت الذي تضيع فيه حقوق البعض نجد إحجامًا من البعض الآخر على الاستثمار في هذا المجال الذي يجد فيه مخاطر عالية بسبب عدم التزام الأطراف بالعقد.
برنامج إيجار ستكون له آثار إيجابية غير مباشرة منها أنها سوف يقلل من حجم القضايا في المحاكم خصوصا فيما يتعلق بتخلف المستأجر عن دفع الأجرة، كما أنه قد يساعد المؤسسات الاجتماعية في التعرف على الحالات التي تجد صعوبة وعدم قدرتها فعليا على دفع الأجرة.
كما أن العقد الموحد للأجرة سوف يشجع المستثمرين على الاستثمار في بناء وتأجير الوحدات السكنية والتجارية بما يفي بالاحتياج الفعلي للسوق ويحقق التوازن في الأسعار بين العرض والطلب كما أنه يشجع من دخول شركات استثمارية تزيد من كفاءة السوق باعتبار أن البيئة التشريعية والتنظيمية أصبحت أكثر جذبا للمستثمرين، وهذا سيكون له أثر في إيجاد خيارات أفضل للمستأجر والسوق بصورة عامة المنافسة في الخدمات التي يمكن أن تقدم للمستفيدين بصورة عامة كما أنه قد يجعل السوق أكثر تنافسية من جهة الأسعار إذ إن هامش الفرق بين الأسعار فيما يتعلق بالاستثمارات التي تحقق عائدا منخفض المخاطر وعائد الاستثمارات متوسطة المخاطر في القطاع العقاري يعتبر كبيرا إلى حد ما، فيجعله مجالا مربحا للمستثمرين إذا ما وجدت البيئة التنظيمية والتشريعية التي تقلل من احتمالات عدم الالتزام من قبل المستأجرين.
فالخلاصة أن برنامج إيجار يعد من البرامج المميزة التي تقدمها وزارة الإسكان ومن المتوقع أن تكون له آثار مباشرة في حفظ حقوق أطراف العقد سواء المؤجر أو المستأجر، كما أن له آثارا غير مباشرة من جهة تخفيض حجم القضايا لدى المحاكم، وتشجيع استقطاب الاستثمارات لهذا المجال بما يزيد من مستوى الجودة والخدمة في مجال التأجير إضافة إلى تخفيض التكلفة باعتبار أن المخاطر فيه سوف تنخفض بشكل أكبر.