والمقصود رسوم وضرائب السلع والخدمات التي تقبل بطبيعتها الاستحداث، وللتوضيح الاستحداث يتصف بثلاث صفات بعضها من بعض: الإنتاج والتخزين والتلف. وعليه فإن رسوم الأراضي غير داخلة لأن الأرض لا تنتج ولا تخزن ولا تتلف.
صدرت قرارات بزيادة أو استحداث رسوم في إطار سياسة زيادة إيرادات المالية العامة غير النفطية. وهناك معايير عديدة لتقييم قوانين الرسوم والضرائب، ولكنها ليست موضوعنا. ومن جهة التأثير، هناك جوانب عديدة تناقش في إطار أدوات التحليل الاقتصادي. وفي هذا المقال اخترت جانبا واحدا وهو ما يوضحه العنوان.
كتب كاتبون وقال قائلون إن الرسوم سيتحملها في الآخر المستهلك أو المستخدم النهائي. هذا الكلام، من ناحية علمية حيادية، غير دقيق.
ابتداء نعرف أن فرض رسوم وضرائب يرفع تكلفة إنتاج السلع والخدمات التي وقع عليها الفرض. وهنا أطرح أسئلة تمهيدية.
ما تأثيرات ارتفاع التكلفة في أسعار ما فرضت عليها رسوم أو ضرائب؟ في أسعار ما عداها من سلع وخدمات؟ على حجم الإنتاج؟ في الربحية؟ في حجم الاستهلاك؟ في قرارات الناس والمنشآت في الشراء والبيع؟ هل ارتفاع التكلفة يستلزم بالضرورة رفع السعر بالنسبة نفسها؟ هل ارتفاع التكلفة يعني استمرار الإنتاج كما هو؟
من يدخل في محاولة إجابة عليه عدم نسيان أن الموارد والدخول المتاحة للناس والمنشآت والحكومة ليست مفتوحة بل لها حدود.
لتسهيل إجابة تلك الأسئلة، لنعرف أساسيات العرض والطلب. تلك الأساسيات تنطبق على عموم الناس والنادر لا حكم له. وطبعا يتفاوت الناس منتجون ومستهلكون في قوة ومستوى الاستجابة لأساسيات العرض والطلب، بناء على تفاوتهم في خصائص وطبائع كثيرة كالطمع ورد الفعل والقناعة ومستوى الغنى أو الفقر والعادات والميول والصبر والظروف المحيطة …إلخ.
ما أهم أساسيات العرض والطلب؟ تنطلق من مبدأ أن الله خلق البشر محبين للمال ومتع الدنيا. وهذا يعني بالنسبة للبائع أن ارتفاع الأسعار (مقرونا بارتفاع الربحية) يغري بزيادة البيع. ويعني بالنسبة للمشتري العكس: ارتفاع الأسعار يغري بتقليل الشراء أو الاستهلاك. طبعا الكلام بافتراض أن دخل المشتري لم يتغير. والعكس صحيح. بالنسبة للبائع فإن انخفاض الأسعار (مقرونا بانخفاض الربحية) يقلل من حلاوة البيع. ويعني بالنسبة للمشتري أن انخفاض الأسعار يغري بزيادة الشراء أو الاستهلاك.
حركة التفاعل في السوق بين البائعين والمشترين تنتهي في العادة إلى أسعار توازنية يقبل بها الطرفان: البائعون والمشترون. وأساس هذا التوازن أن يقلل كل طرف من طمعه: البائع يقلل من تطلعاته في الأسعار والأرباح، والمشتري يقلل من تطلعاته فيما يشتريه بفلوسه. وإذا لم يحصل التوازن يحجم إما البائع أو المشتري أو كلاهما عن إتمام العملية. ومع الوقت تضغط الظروف بمختلف أشكالها وألوانها على الأسواق لمحاولة دفعها إلى نقاط توازن جديدة. وهذا ما يحدث بالضبط عند ارتفاع التكاليف بسبب الرسوم مثلا.
الكلام السابق يمكن وضعه على هيئة رسوم بيانية ومعادلات رياضية حتى يحلل رقميا بصورة أكثر حيادية ودقة. طبعا لن أفعل ذلك لأن الجريدة ليست مكانا مناسبا لهذا، ولكنني سأعطي مثالا رقميا للتسهيل.
لنفترض أن وجود توازن في سوق سلعة من السلع ولنسمها السلعة «س» على أساس أن البائع يبيع كل ما ينتجه منها تقريبا بسعر 15 ريالا للحبة، ويربح خمسة ريالات في الحبة. لنفترض أن التكلفة عليه زادت ريالين. قد يحاول رفع السعر من 15 إلى 17 حيث يبقى ربحه في الحبة دون تغيير. ماذا سيحصل؟ ستقل الكمية المشتراة منه، لأن دخول الناس لم تتغير، وهذا يعني أنهم مجبرون على خفض الكمية المشتراة من السلعة «س»، لأنهم إن لم يفعلوا فسيجبرون على خفض ما ينفقونه على سلع أخرى حتى يتمكنوا من شراء الكمية نفسها من السلعة «س» التي زاد سعرها، أو الاستدانة، ولكن حتى الاستدانة ليست شيكا على بياض بل لها حدود.
الذي يحصل، وأثبتته الوقائع والإحصاءات في مختلف دول العالم، أن الناس مجبرون على تقليل شرائهم لغالبية السلع عند ارتفاع أسعارها طالما لم ترتفع دخولهم. ما نسبة تقليل الشراء؟ يعتمد على مرونة الطلب عند كل مشتر وعند كل مجتمع على السلع التي ارتفع سعرها.
من جهة أخرى، تقليل المشترين من الشراء يجبر البائعين على خفض نسبة أرباحهم أو محاولة خفض تكاليفهم أو خليط من الاثنين. كيف؟ يعتمد من ضمن ما يعتمد على مرونة العرض عند كل بائع على السلع التي ارتفعت تكلفتها.
رفع أو خفض التكاليف لهما تبعات وآثار كثيرة. مثلا بعض المنشآت ذات التكاليف العالية قد تجد نفسها غير قادرة على التأقلم في الاستمرار، ولهذا تبعات على التوظيف وغير التوظيف، والموضوع طويل.