ارتفعت ثلاث مرات ونصف تقريبا، بمراعاة التماثل أو التشابه، وهو ما تراعيه هيئات الإحصاء في العالم عند بناء أرقام قياسية للأسعار. والتركيز على متوسط الارتفاع في أسعار الأراضي السكنية داخل مدينة الرياض. ودرءا لسوء الفهم، لا يناقش المقال لا من قريب أو بعيد أسباب ارتفاع الأسعار، أو هل هي مبررة أو لاً؟
لعل المثال التالي يوضح معنى التشابه. بيعت قبل قرابة بضعة وعشرين عاما قطع أراض سكنية ممنوحة مساحة الواحدة قرابة 900م2 شمال غربي جامعة الإمام بعدة كيلومترات “النرجس والياسمين حاليا” بـ70 ألف ريـال للقطعة، تزيد أو تنقص قليلاً، كانت الناحية آنذاك برا. لا بناء ولا شوارع ولا خدمات من الجهات كافة لمسافة كيلومترات.
أما اليوم، فسعر ما يشابه القطعة موقعا ومساحة لا يقل، حسب علمي، عن 1500 ريـال للمتر المربع. وطبعا، نعرف أنها مخدومة، وأقيمت حواليها مشروعات حكومية كبيرة.
هل نقول إن السعر ارتفع نحو 20 مرة خلال 20 عاما؟
لا. لأنه قياس مع الفارق، حسب تعبير علماء الفقه وأصوله. والمعنى أنه لا يصلح أن تقيس وتقارن سعر المتر لأرض بعينها الآن، تقارنه بسعره قبل 20 عاما مثلا، متجاهلا ما حصل للأرض والحي والجهة من تطورات مؤثرة جوهريا في السعر.
لمقارنة أقرب موضوعية وعدالة في تغير المتوسط العام للسعر خلال هذه الأعوام، ينبغي استخدام أحد منهجين.
الأول، يفهم من السؤال التالي: كم سيكون السعر قبل 20 عاما لو افترضنا أن الحي كان مطورا ومتوافرة به المرافق والخدمات آنذاك؟ أو العكس، كم السعر الآن لو أن كل التطورات بقيت بعيدة عن الحي حتى الآن؟
الثاني، النظر إلى متوسط سعر المتر في الوقت الحاضر. ثم قارن ذلك السعر الحالي بسعر المتر قبل 20 عاما في أقرب حي مشابه حاليا، لكنه كان مطورا وبه المرافق والخدمات قبل 20 عاما. بافتراض أنه لم يطرأ خلال هذه الفترة عامل إضافي له تأثير كبير في السعر.
من يقارن متجاهلا الفروقات هو مثل من يقارن سعر متر مكعب من ماء البحر، بسعر متر مكعب من ذلك الماء بعد معالجته وجعله صالحا للشرب، أو مثل من يقارن أسعار الجوالات قبل بضعة عشر عاما بأسعارها الآن، متجاهلا ما أصاب الجوالات من تطورات خلال هذه السنين.
النقطة أو السؤال التالي، من أين جئت بدعوى أن ارتفاع الأسعار كان ثلاث مرات ونصف تقريبًا خلال 40 عاما؟
القصة التالية تجيب عن هذا السؤال. وهي ليست رواية سمعتها، بل عاصرتها بنفسي.
اشترى والدي- رحمه الله- أرضا سكنية في وسط حي الربوة بالرياض عام 1398هـ الموافق 1978 بسعر المتر 500 ريـال. كان المكان وقتها على وشك الانتهاء من عمليات تطوير وتخديم من شوارع ومنافع ومرافق عامة وغيرها.
والسعر السابق أو قريب منه، كان هو المتوسط العام السائد في أحياء أخرى جديدة نشأت قريبا من الملز في عهد الملك خالد، رحمه الله. وكان حي الملز وتوابعه نهاية شمال الرياض تقريبا وقتها. ولنا أن نضيف إلى سعر المتر “كذا ريـال”، لو كانت تنظيمات تطوير الأرض والاستقطاع للمرافق آنذاك مماثلة لما هو مطبق الآن، حيث زادت المتطلبات مع الوقت.
مع هبوط أسعار النفط بشدة أواسط العقد الأول من القرن الهجري الحالي، العقد الثامن من القرن الميلادي الماضي، نزل المتوسط العام لأسعار الأراضي تقديرا بين 15 في المائة و30 في المائة، حسب المواقع والظروف، وبقيت الأسعار كذلك دون تغيير تقريبا نحو بضع سنوات، ثم عاودت الارتفاع، لكن بصورة بسيطة متدرجة لبضع سنوات لترجع إلى مستويات 1400هـ/1980. وزادت وتيرة الارتفاع بعد 2003، وتزامن معها موجة غلاء محلية وعالمية ونفطية.
ما متوسط سعر المتر المربع حاليا للأراضي السكنية المعنية بالمقال، سواء كانت بيضاء أو عليها بناء، أي عند تقييم وحدة سكنية قائمة؟
متوسط سعر المتر الآن في غالب الأحياء المطورة داخل الرياض، قرابة 1800 ريـال، ينقص أو يزيد في الغالب إلى الثلث، حسب الموقع وظروف البائع والمشتري. أي أن أسعار الأراضي السكنية ارتفعت من حيث المتوسط في حدود ثلاث إلى أربع مرات خلال الـ40 عاما الماضية.
كم كانت الأسعار قبل 50 عاما؟ كان متوسط سعر قطعة الأرض في حي الربوة بالرياض بمساحة 1000 متر مربع تقريبا في حدود 20 ألف ريـال، كما أخبرني بذلك أحد كبار السن العارفين بالوضع. كان سعر برميل النفط قبل 50 عاما أقل من دولارين، ولم تكن “أرامكو” مملوكة للدولة، وكانت ميزانية الدولة “النفقات” في حدود ثلاثة مليارات ريـال. أي أن الميزانية تضاعفت قرابة 300 مرة خلال الـ50 عاما الماضية.