معروف أن السوق حاليا ضعيف، والكلام كثير عن تقنيات بناء أرخص، وقرب انتشارها، وهذا من أسباب ضعف الطلب والعرض الإسكاني حاليا.
ماذا عن الأراضي؟ هناك عوامل مخفضة لأسعار المتوسط العام لأسعار الاراضي وهناك عوامل معاكسة في التأثير، من أمثلة العوامل المخفضة:
هبوط أسعار النفط وفرض رسوم على الأراضي البيضاء وبرامج الدولة الإسكانية وإلغاء أو تخفيض الدعم الحكومي لبعض السلع وضعف الطلب، من أمثلة العوامل المعاكسة في التأثير، وخاصة داخل المدن الكبيرة:
تحسن نسبي في أسعار النفط والاقتصاد المحلي والعالمي وتخفيف سرعة التوازن المالي وزيادة السكان وتوسع المدن وإجراءات وتكاليف التطوير والخدمات العامة واحتياجها إلى تمويل ووقت كبيرين، وانتشار تقنيات البناء الأرخص يزيد الطلب على الأراضي.
محصلة العوامل السابقة حصول انخفاض، زاد في أطراف المدن، وقل في داخلها. وحسب هيئة الإحصاءات هو انخفاض معتدل. فقد انخفض الرقم القياسي لأسعار العقار عامة أو الأراضي السكنية بنسبة 15% تقريبا بين 2014 ومنتصف 2017.
من المتوقع استمراره لشهور، وأتوقع أنه سيكون من حيث المتوسط العام بسيطا لا يزيد على 4% في رقم الهيئة. ويتفاوت حسب المواقع وحجم المدن، فالأرض سلعة غير متجانسة. كما اتوقع أنه من حيث المتوسط العام في اضمحلال، لأن الانخفاضات لا تستمر بطبيعتها طويلاً، وأهم سبب أن القرارات والمتغيرات المؤثرة نرى أنها تتجه نحو الاستقرار. حصول مؤثرات قوية على مواقع بعينها لا يغير من الصورة العامة، وليس بلازم أن يطيح ضعف القدرة الشرائية بالأسعار دوما، ولو كان الأمر كذلك لقضي على الفقر في العالم.
العجلة وحب الذات والهلع طبيعة في البشر غنيهم وفقيرهم (إلا ما استثناهم سبحانه). يقول سبحانه “خلق الانسان من عجل” وقال ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾. يضاف أن الرغبة في عقار في المدن الكبيرة أعلى كثيرا من الرغبة في عقار مماثل في غيرها. وتبعا لهذه العوامل والظروف التي تصنع طلبا كامنا، لو تخيلنا انخفاضا كبيرا أي انهيارا في أسعار اراضي المدن الكبيرة كالرياض وجدة، فسيندفع كثيرون وبقوة إلى الشراء و/أو تملك مساحات أكبر. كما أن الإيجارات ستهبط بقوة، وتبعا سيندفع كثيرون إلى الهجرة إلى المدن الكبيرة. ولكن العرض المناسب داخل تلك المدن وفي الوقت المناسب لا يكفي لتلبية الطلب. لهذا لا يتوقع حصول انخفاض كبير في أسعار الأراضي داخل المدن الكبيرة خاصة، إلا في حالة فقدان تلك المدن لقدر كبير من فرص العمل أو جاذبية العيش فيها، ومن ثم هجرة كثيرين منها. ويحدث ذلك في حالة انهيار عام في الاقتصاد.
يحب البعض أن يستشهد بما أصاب الأسعار بعد إنتهاء طفرة عهد الملك خالد. هذا استشهاد ناقص، حيث لا يصلح الاقتصار في المقارنة على أسعار قمة طفرة وما أصاب تلك الأسعار بعد تلك الطفرة، يجب النظر أيضا كيف كانت الأسعار قبل بداية الطفرة.
ماذا عن رسوم الأراضي البيضاء السنوية؟ تضغط لذاتها على أسعار الأراضي، لأنها عبء مستقبلي وتضعف المضاربة.
وطبيعة نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في بلادنا جعل أثرها معتدلا؛ لكن من المهم التنبيه على نقطة إشكال تخفى على كثيرين.
الرسوم السنوية أو الضرائب لا تعمل منعزلة عن تأثير عوامل أخرى على أسعار الأراضي، أي أنه قد توجد عوامل في الوقت نفسه تأثيرها يعاكس تأثير الرسوم. وللتشبيه، مثل حصول ارتفاع في الدخل وغلاء. ارتفاع الدخل يزيد الطلب لكن الغلاء أو ارتفاع الأسعار يخفض الطلب. والغالب أن ارتفاع الدخل يجلب قدرا من الغلاء.
ولا يعني ذلك أن نلغي تأثير أحدهما عند غلبة تأثير الآخر. ومن المهم أن أشير إلى أن فرض الرسوم السنوية على الأراضي البيضاء داخل المدن أهم من فرضها على الاراضي في أطراف المدن.
نسبة سعر الأرض إلى سعر المسكن تزيد مع ازدياد حجم المدن على مستوى العالم. وهذا يعني غلاء الأراضي داخل المدن الكبيرة في مختلف الدول، بما في الدول المتطورة ذات الكثافة السكانية المنخفضة (استراليا مثال).
متوسط مساحات أراضي الوحدات السكنية في مدنها الكبيرة أقل من 500 م2، والمعلومات متاحة لمن أراد أن يتأكد. من أهم الأسباب أن تكاليف التطوير وتوفير المرافق والخدمات للسكان مرتفعة أصلا، وتتطلب إنشاء وتشغيلا موارد مالية هائلة ووقتا طويلا، خلاف ضريبة الملكية. وأيضا تزيد تكاليف الحياة المعيشية والتطوير وتوفير المرافق وتشغيلها وصيانتها للفرد أو المتر المربع مع توسع المدن وزيادة سكانها.
بالمقابل، لوحظ أن الأجور لا تزيد بنفس مستوى زيادة التكاليف في المدن الكبيرة. وقد كانت هذه الموضوعات مجال دراسات في دول عديدة، ضمن تخصص اقتصاد التجمع أو التكتل economics of agglomeration.
لا يوجد شح في السيولة، بل ضعف في نموها، مقارنة بسنوات الطفرة، ورشاد أكثر في إنفاق المال. أهم مقياس للسيولة في الغالب هو مقدار النقد بيد الناس والودائع تحت الطلب. بلغ مقدار النقد والودائع تحت الطلب 887 مليار ريال عام 2012 وبلغ 1000 مليار عام 2013 وبلغ 1143 مليار عام 2014 وبلغ 1145 مليار عام 2015 وبلغ 1144 مليار عام 2016 وبلغ 1167 مليار منتصف 2017 (المصادر النشرة الإحصائية الشهرية وتقرير مؤسسة النقد الأخير الـ 53).
من المهم أن يعرف أن لموارد الدولة النقدية والعينية المتاحة للدعم السكني حدودا. ولذا ينبغي أن تكون أولوية الدعم الحكومي للفئات الأكثر احتياجا له. وفي هذا يقترح استثمار بعض أراضي المطارات وأجهزة حكومية أخرى، حيث المساحات مبالغ فيها وأكبر من الحاجة كثيرا. وللمقارنة تبلغ مساحة مطار هيثرو أقل من 13 كم2، بينما تزيد مساحة مطار الملك خالد بالرياض على 200 كم2.
جزء من مشكلة السكن أن بنية التمويل والتطوير والتملك العقاري دون الطموحات كثيرا. كما أن الحقوق والالتزامات بين الأطراف غير متطورة وناضجة؛ لذا من المهم بذل جهود قوية تجاه تقوية وتطوير البنية والعلاقة بين الأطراف. وفي هذا يحبذ تطوير مؤسسة استشارية خارج نطاق مؤسسات التمويل والتطوير العقاري، للتوعية ونشر الثقافة حول الالتزامات والحقوق والضمانات عند الحصول على تمويل عقاري أو بناء أو شراء مساكن.
عوامل مهملة لكن تطبيقها يساعد على تسهيل تملك المساكن وتخفيف أعباء المعيشة
بناء نظام ادخار إسكاني يساعد على توفير جزء كبير مما يسمى الدفعة المقدمة. وهذا النظام ليس بجديد حيث تطبقه شركات ودول.
التوسع في المدن في بناء ما يسمى تاون هاوس على مساحات تسهل على كثيرين تملك مساكن بأقساط مناسبة لدخولهم.
زيادة الاهتمام بتطوير المحافظات والمدن الصغيرة بما يزيد من توفر فرص عمل فيها وهذا يغري كثيرين للبقاء أو الانتقال للعيش فيها.
تعديل أنظمة البناء بما يسمح بزيادة الكثافة السكانية في الأحياء، مع توفير متطلبات كمواقف سيارات كافية.
من المفيد جدا التوسع في توفير النقل العام بين المدن والمحافظات القريبة منها، بما يتيح للساكنين في تلك المحافظات وسيلة مريحة ورخيصة للذهاب والإياب يوميا بين المحافظات والمدن، هذا الأسلوب تعمل به مدن كبيرة كثيرة في العالم. والسبب الأول غلاء السكن والمعيشة في المدن الكبيرة.