وزارة الإسكان بحاجة أن تنتقل إعلامياً من مرحلة بناء الثقة إلى الرضا مع المستفيد، وهذا يتطلب الانتقال من التوعية (المعرفة) إلى الوعي (المشاركة)؛ على اعتبار أن أنجح الحملات الإعلامية اليوم يقودها جمهور، كذلك تعميق تجربة المواطن المستفيد ليكون أكبر مسوّق للمواطن الذي يليه..
مشروع التحول الكبير في قطاع الإسكان لم يكن سهلاً في تشريعه، وتنظيمه، وتسويقه، حيث كانت التحديات أمامه ولا تزال ذات علاقة مباشرة بجمهور يريد أن يتملك سكنه الأول بكلفة أقل ووقت أسرع، ومصادر تمويل مفتوحة على حسابات وعقود وتحصيل، ووزارة لديها مبادرات وبرامج وطموحات بأن تكون المشرّع والمنظم والمراقب للقطاع، وسوق عقاري يسعى أن يوازن بين العرض والطلب، وقطاعات عريضة تتجاوز 120 مجالاً مرتبطة بالإسكان تخطيطاً وبناءً وتأثيثاً، وكل هذه التفاصيل مؤداها في النهاية أن الإسكان في المملكة أصبح اقتصاداً كلياً وليس جزئياً لمرحلة أو فئة، ومحركاً رئيساً للقطاع الخاص، وعنواناً عريضاً لرؤية المملكة 2030.
وزارة الإسكان في منتصف 2017 لم تعد هي الوزارة في النصف الثاني من 2019؛ فالأرقام متنامية، والمبادرات متعددة، والتجربة تجاوزت المخاض العسير، ونجحت في إقناع المواطن بتنوع الخيارات المتاحة أمامه، والتنظيمات والتشريعات التي تحفظ حقوقه مع جميع الأطراف، والبيانات المفتوحة بشفافية ووضوح، وبالتالي وصلنا إلى حالة توازن بين أزمة الثقة التي كانت سائدة قبل نحو سنتين، وبين مرحلة بناء الثقة التي نشهدها اليوم ومحاولة تجسيرها بالتجربة، واستدامة الحالة الإنتاجية والمالية في السوق؛ وصولاً إلى الرضا المنشود بعد 2020، وهي المرحلة التي ستكون فيها وزارة الإسكان نموذجاً مختلفاً في مؤسسات الدولة، ورقماً متنامياً في السوق التمويلية، ومحفزاً للمطورين، والأهم الأقرب إلى المواطن الذي سيجد أمامه خيارات سكنية يقرر معها ما يشاء لاحتياجه ومقدرته، ثم يجد أن الحصول على السكن لم يعد هاجساً كما كان، وهو التحدي الذي ستكسبه الوزارة بالتجربة والأرقام وليس بشيء آخر.
الإسكان في المملكة يعمل اليوم وفق منظومة متكاملة بين عدة قطاعات تربطها التقنية، وحوكمة الإجراء، والتنسيق المستمر بين المسؤولين بشكل مباشر، وتحديداً الداخلية والعدل والبلديات والعمل، فضلاً عن هيئات أخرى تشارك الإسكان مهمة النهوض الكبرى تجاه خدمة المستفيد بالدرجة الأولى، والمحصلة أن هناك رؤية تحيط بالعمل، وتفزر في كل مرحلة مستهدفات الوصول إلى المحطة الأخرى؛ فمثلاً تقنيات البناء التي تؤسس وزارة الإسكان لها ضمن مشروع وطني يحقق عوائد، ويخلق فرص توظيف، حيث يمكن أن يكون المنزل جاهزاً للسكن خلال الفترة من 90- 180 يوماً، من خلال اختيار عينة البناء، وتنفيذه مايقارب 70 % منه في المصنع، و30 % في أرض المشروع، وبالتالي يمكن لمصانع البناء التي تجد التمكين والدعم من الحكومة الآن أن توظف آلاف الشباب من الجنسين في التصميم والبناء، كما يمكن أن تساهم جهات أخرى مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وأرامكو وسابك في إيجاد بدائل للأسمنت الهولندي عالي التكلفة الذي يدخل في صناعة البيوت الجاهزة، وهكذا الجميع يعمل في قطاع الإسكان لخدمة المستفيد، والوصول إلى 60 % من نسبة تملك المواطنين في 2020، و70 % بحلول عام 2030.
اليوم وزارة الإسكان بحاجة أن تنتقل إعلامياً واتصالياً من مرحلة بناء الثقة إلى الرضا مع المستفيد، وهذا يتطلب الانتقال من التوعية (المعرفة) إلى الوعي (المشاركة)؛ على اعتبار أن أنجح الحملات الإعلامية اليوم يقودها جمهور، إلى جانب أهمية تعزيز صحافة البيانات؛ فلا يكفي أن تعلن الوزارة الرقم من دون أن تفسّر ماذا يعني ذلك؛ فكل رقم تعلنه الوزارة هو في الواقع محتوى يجب استغلاله في مرحلة الانتقال إلى الرضا، كذلك ضرورة تقديم محتوى باللغة الإنجليزية للمستثمر الأجنبي للدخول في السوق السعودي، وتوفير حلول للعالقين في “سمة” من المواطنين، إضافة إلى تسويق البيع على الخارطة باعتباره العنصر الأكثر جذباً في السوق، وتعزيز الاستدامة المالية للمبادرات، والإسراع في إطلاق منصة الخدمات الإلكترونية الشاملة للمستفيد من البحث عن المنتج، ثم اتخاذ القرار ثم إجراءات ما بعد القرار، والأهم تعميق تجربة المواطن المستفيد ليكون أكبر مسوّق للمواطن الذي يليه.