مساعدة الدولة للمواطن بتمكينه من تملّك مسكن يؤويه ليست قضية اليوم، ولا مشكلة الأمس، وإنما هي قضية تاريخية، كان صندوق التنمية العقاري الذي بدأ نشاطه عام 1395هـ أحد المخرجات لمعالجتها، فموّل الصندوق تكاليف البناء لمساكن مُلّكت للمواطنين على أراض مُنحت غالبيتها من الدولة، وبقروض ميسَّرة من الصندوق شملت أكثر من 4279 مدينة وقرية وهجرة، تسدد على مدى سنوات طويلة، وكان القرض بدأ بثلاثمائة ألف ريال، ثم زيد إلى خمسمائة ألف ريال لمواجهة ارتفاع تكاليف البناء، وبلغ ما صرفه الصندوق لتمويل القروض بشقيها السكني والاستثماري أكثر من 269 مليار ريال.
زاد عدد سكان المملكة عاماً بعد آخر، وبالتالي ارتفع عدد المحتاجين للدعم الحكومي، فزيدت ميزانية الصندوق من 250 مليون ريال إلى 183 مليار ريال كإحدى أكبر مؤسسات التمويل العقاري في العالم، وذلك لمواجهة الزيادات المطردة في طلبات الإقراض، لكن بقيت المشكلة دون حل جذري ونهائي نسبة إلى تنامي المحتاجين لمساكن تغنيهم عن دفع أجور يتعذّر على بعض المستأجرين القدرة على الوفاء بها، مما أوجد قناعة لدى القيادة بأن الصندوق وحده ليس حلاً، خصوصاً مع تباطؤ أكثر المقترضين في تسديد المستحقات التي عليهم، فكان القرار بإنشاء وزارة للإسكان عام 1432هـ، ووضع مليارات من الريالات تحت تصرفها، ومثل ذلك أراضٍ في جميع مناطق ومدن المملكة، تكون بتصرّف الوزارة لمعالجة المشكلة، وبما يمكّنها من توفير المسكن المناسب للمواطنين وفق قواعد وأنظمة وتخطيط، مع إبقاء الصندوق العقاري يؤدي دوره تحت مظلة وزارة الإسكان.
لاحظنا خلال الفترة الماضية الجهود المبذولة المقدَّرة من وزارة الإسكان لتوفير المنتجات السكنية، وإتاحتها للمستفيدين المستحقين للدعم السكني المناسب، ومن المتابعة لحراك العمل في وزارة الإسكان فقد لاحظنا أيضاً لجوء الوزارة إلى مجموعة من الخيارات لتوفير المسكن المناسب للمواطنين، إلى جانب دورها البارز في الإطار التنظيمي، وإطلاقها العديد من المبادرات والبرامج المتنوِّعة، التي من شأنها تحفيز هذا القطاع، وجعله أكثر توازناً، وكل هذا خلق لدى المحتاجين للمسكن انطباعاً إيجابياً عن أداء الوزارة في الفترة الأخيرة، وبدأ النظر إلى الوزارة على أنها بدأت تأخذ مساراً إيجابياً مختلفاً عن ذلك الانطباع السلبي الذي كان.
لقد بدأ العمل في وزارة الإسكان يتم بوتيرة أسرع، وأصبحت الوزارة تقدم نفسها على أن المعوقات التي كانت أمكن تذليلها، وأن برنامج الإسكان أخذ الآن طريقه الصحيح، وفق رؤية واضحة، وتخطيط سليم، وخاصة بعد إشراك عدد من الجهات الحكومية ذات الصلة بمشروع (برنامج الإسكان) الذي يعد مظلة للإشراف على الجهات المشاركة فيه، وذلك لإيجاد حلول سكنية للأسر السعودية، مستهدفاً رفع نسبة التملك إلى 60 % بحلول عام 2020 والوصول إلى 70 % بحلول عام 2030 بما يحقق الخيار السكني المناسب للمواطنين.
أجل، نستطيع الآن أن نقول: إن ست عشرة جهة حكومية شريكة مع وزارة الإسكان في برنامج الإسكان سوف تزيل كل العوائق التي تحول بين المواطنين وتملّك المسكن من خلال التعاون فيما بينها كفريق عمل واحد، وبالشراكة مع القطاع الخاص، أي أن البرنامج السكني المعلن عنه سوف يضمن من الآن التنسيق في الجهود، والعمل بخطوات متسارعة، وسوف يختار الآلية التي تتسم بالدقة في الإنجاز، وتذليل العقبات، والأهم أن من بين أهداف المحاور الأربعة للبرنامج تحسين القطاع بتوفير الوحدات السكنية بخيارات وأسعار مناسبة، والحصول على التمويل بطريقة ميسرة، وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في التمويل، وما إلى ذلك من المحاور التي تساعد على تحقيق المسكن الأول للمواطن.
علينا أن نثمِّن لوزارة الإسكان ولوزيرها ماجد الحقيل ما تم التوصل إليه، وأن نحفّزه وفريق العمل معه في جميع الجهات الحكومية، لا أن نثبط أعمالهم، أو نشكك فيها، وألا نعتمد على الماضي بسلبياته في قراءة المستقبل بإيجابياته لأهم حدث بعد أن أعلن عن برنامج الإسكان بكل هذه التفاصيل السارة.