البناء الفردي كان ولازال هو المسيطر على السوق العقاري بحيث يعتمد الأفراد على شراء أراضيهم سواء كانت مجهزة بالخدمات أو بدونها ويتولون بناءها بأنفسهم والتعاقد مع المقاول وشراء مواد البناء ثم انتظار الخدمات، والتي قد لاتصل.
وقد مرّ التطوير العقاري بعدة مراحل حيث بدء بمفهومه التقليدي قبل أربعين سنة تقريبا، حيث كان مجرد تخطيط قطعة أرض وتقطيعها وإيصال بعض الخدمات لها مثل الكهرباء والإنارة وسفلتة الطرق، ثم تباع الأراضي إما على مستثمرين أو على أفراد. والتطوير العقاري بمفهومه الحقيقي والذي يقدم أحياء سكنية متكاملة الخدمات لم يعرف إلا مع بداية الألفية.
وشركة التطوير يتمحور دورها في دراسة السوق وتحديد الشرائح المستهدفة لمشاريعها وبناء الفكرة والحصول على التصاريح اللازمة وإدارة الملف كاملا بالتعاقد مع الأذرعة المؤهلة لتنفيذ المشروع ومنها التصاميم الفنية وإدارة المشاريع وتوفير السيولة من المستثمرين أو البنوك أو تكوين صندوق عقاري للمشروع والتعاقد مع المقاولين وتسويقه وبيعه، ولو حدث أي خلل في إحدى الحلقات فستواجه التأخير أو التعثر والخسارة.
مع التقدير لجميع الشركات فقد وُلد مفهوم التطوير العقاري الشامل ميتا، ولعدة أسباب يشترك فيها المطور نفسه والجهات الحكومية المعنية بالتراخيص والتي كانت مُعطلة لكثير من المشاريع بسبب عدم قدرتها على التفريق بين المشاريع الكبرى والريادية وبين البناء الفردي عند إصدار التصاريح والتراخيص اللازمة، وكذلك بسبب الفساد الذي يعرقل هذه المشاريع.
وشركات التطوير العقاري التي عملت على مشاريع سكنية كبرى في المدن الرئيسة تُعد على الأصابع وللأسف أنها لم تستمر في تنفيذ مشاريع أخرى بسبب عدم القدرة على إدارة مثل هذه المشاريع فنيا وماليا وإداريا وتسويقيا.
وبعضها تخبطت وتعثرت مشاريعها وتحولت الى تجارة الأراضي بسبب الاستعانة بمدراء غير مؤهلين لا يملكون الخبرة الكافية لإدارة مشاريع سكنية تحتاج الى خبرة ودراية بالسوق العقاري ومتطلبات الشرائح المستهدفة؛ والأمثلة حاضرة لشركات بدأت قوية ثم توقفت عند مشروع واحد متأخر ومتعثر مع مشاكل إدارية ومالية بسبب سوء الإدارة.
تجارب الهيئة الملكية للجبيل وينبع وأرامكو وسابك ووزارة الحرس الوطني ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية في إدارة تطوير مشاريعها السكنية لمنسوبيها من أفضل التجارب ولازال بعضها شامخا بعد ثلاثين عاما من إنشائها.
هناك خلل في أداء شركاتنا العقارية المساهمة العامة والمقفلة والفردية، والتي لم تقدم الشيء الكثير، وساهمت في ترسيخ مفهوم البناء الفردي الذي يكلف كثيرا ويفتقد إلى التخطيط المتكامل وتوفير الخدمات.
التطوير العقاري بمفهومه المهني يوفر أحياء سكنية متكاملة الخدمات بجودة عالية وتنظيم أفضل وأسعار أقل مع توفر الخدمات الإضافية كالمرافق والأندية الرياضية وممرات المشاة والتشجير والمساجد والمدارس.. ولعل هيئة العقار التي ستباشر عملها منتصف هذا العام 2017م تتولى تنظيم عمل التطوير العقاري.