
من الأفضل والأكثر موضوعية ومنطقاً ألا نعتبر الجدل المحتدم إعلاميا بين نادي جدة الأدبي وجمعية الثقافة والفنون حول مبنى النادي حالة خاصة لها أسبابها وظروفها مهما كانت، وإنما الأصح اعتباره نتيجة طبيعية لسياق زمني طويل في مفهومنا للثقافة والأدب والفنون والفكر، وكيفية تعاملنا معها. فلو افترضنا أن هناك من تابع هذه القضية خارج المملكة، هل يستطيع أن يستوعب أن دولة بمكانة وإمكانات المملكة لم تنشئ أجهزتها المسؤولة عن هذا الشأن مقراً لناد أدبي وآخر لجمعية الثقافة والفنون في مدينة كبرى مثل جدة منذ عقود طويلة من الزمن. بل ماذا سيقول المتابع الخارجي إذا اكتشف على هامش هذه القضية أن الحال في معظم مناطق المملكة لا يختلف كثيراً لأن فروع جمعية الثقافة والفنون بالذات ما زالت في مبان متواضعة مستأجرة منذ إنشاء الجمعية إلى الآن، قد لا تستطيع أحيانا دفع أجرتها بسبب الميزانيات الهزيلة المخصصة لها. كنا نتمنى ألا تثار هذه القضية، على الأقل حتى لا ننشر غسيلنا ونصدم الآخرين بحقيقته المخجلة.
التوجس والريبة من مصطلحات الأدب والثقافة والفنون هي ما أدى إلى ما يشبه التعطيل المتعمد لدورها بعدم توفير مقومات وضرورات عملها، ومنها المقرات اللازمة لها. وربما لأن مصطلح الأدب أقل إثارة للحساسية فقد تم في وقت متأخر جدا مساعدة بعض الأندية الأدبية على بناء مقرات لها بما استطاعت تدبيره بجهودها الذاتية، لكن مصطلح الثقافة والفنون استمر في خانة تقترب من حيز المريب أو المحظور بمعايير الفكر السائد أو التفسير الديني الضيق المتشدد لمصطلح الفنون على وجه الخصوص. أي أن القضية برمتها وفي أساسها لا تعدو عن كونها الموافقة ظاهريا على تأسيس هذه الكيانات لإنهاء صداع مطالبات المهتمين بها وبضرورة إنشائها، وبعد ذلك وضع العقبات الكبيرة أمامها حتى تنغمس فيها وتنصرف عن أداء دورها الأساسي المفترض.
كنا لا نتمنى أن تثار هذه القضية بين النادي والجمعية على المقر وكأنها قضية بين مكتب عقار ومستأجر، وليس بين جهتين تمثلان الأدب والثقافة والفنون التي تنشغل بها صفوة المجتمعات، وكنا نأمل ألا يصل الحوار إلى الحد الذي سمعناه في لقاء تلفزيوني بين مدير الجمعية وأحد أعضاء إدارة النادي الأدبي. كان بالإمكان استمرار استيعاب الجمعية وتحييد الخلافات الشخصية تقديراً لوجه الثقافة، والتفاهم على أي إشكال بأسلوب يليق بها، لكن التمادي حوّل القضية إلى فضيحة ثقافية وطنية لأنها كشفت الخلل الأساسي الجوهري الذي أدى إلى حدوثها، وفي وقت اعتقدنا أننا قد تجاوزناه ولا نريد أن نتذكره.
رجاءً أغلقوا هذا الملف بشكل ودي حضاري ثقافي..