لاشك أن وزارة الإسكان قامت خلال الثلاث سنوات الأخيرة بجهود جيدة في توفير حلول ومبادرات من أجل مساعدة المواطن لامتلاك المسكن، منها على سبيل المثال الوحدات السكنية الجاهزة والمنح المجانية للأراضي وتوفير التمويل للمستفيدين بالشراكة مع البنوك والمؤسسات التمويلية ويقوم صندوق التنمية العقارية بسداد أرباح التمويل عن المستفيد بشكل كلي أو جزئي، والحقيقة لقد ساهمت المنتجات السكنية والحلول التمويلية في تسريع وحلحلة الكثير من العقبات التي كانت تقف عائقاً في وجه من يريد امتلاك المسكن؛ إلا أنها في الحقيقة لازالت أقل من الطموح حيث إن تكلفة المسكن عالية وجودة البناء ضعيفة وكلفة التمويل العقاري المقدم من البنوك مرتفعة ولازال الاحتياج أيضاً كبيراً جداً مع تزايد أعداد المتزوجين حيث بلغت حالات الزواج خلال السنة الأخيرة حوالي 142 ألف حالة، ومع أن هنالك حلولاً ومبادرات أفضل بكثير مما طرح إلا أن وزارة الإسكان اختارت الحلول الأسهل والأسرع.
ولغرض توضيح آلية التمويل العقاري المقدم من البنوك نعرض فيما يلي مثالاً لمواطن يرغب في تملك شقة سكنية مساحتها في حدود 180 متراً وكيف يؤثر امتلاكها بالتمويل البنكي وبالشراء المباشر من ملاك العقار على حياته المعيشية طوال 15 سنة وهي مدة التمويل.
راتب المواطن الراغب في شراء الشقة حوالي 10500 ريال وهو متوسط رواتب السعوديين في القطاع العام وقيمة الشقة 600 ألف ريال وهو متوسط أسعار الشقق في المدن الكبيرة مع الدفعة المقدمة 10 % يصبح المبلغ الممول 540 ألف ريال بنسبة تمويل لا تقل عن 5.75 %، وبذلك متوقع أن يكون القسط الشهري حوالي 5500 ريال مع تطبيق آلية التمويل المسؤول فإن القسط يجب أن لا يتجاوز 55 % من الراتب لذلك يتبقى من الراتب بعد خصم القسط 5000 ريال فقط وفي اعتقادي بأنها غير كافية لتأمين حتى الاحتياجات الضرورية للحياة ومع أن الراتب سوف يزيد مع مرور السنوات بعد احتساب العلاوات السنوية وقد يصل في نهاية مدة التمويل إلى حوالي 18 ألف ريال تقريباً، إلا أن تكاليف المعيشة سوف تزداد تقريباً بنفس وتيرة الزيادة في الراتب وسوف يكون المواطن أسير هذا التمويل طوال الـ15 سنة، هذا إذا افترضنا أن الحالة المعمارية للشقة ممتازة ولا يوجد بها عيوب أما إن كان بها عيوب إنشائية ومواد بناء رديئة كما هو حال معظم الوحدات السكنية التي أنشئت لأغراض تجارية فإن الأعباء المالية سوف تزداد على مالك الشقة.
ماذا لو أن وزارة الإسكان ذهبت إلى الحلول الأمثل والتي تتمثل في إنشاء ذراع للتطوير العقاري يتولى تطوير الأراضي الحكومية المخصصة للإسكان ويتعاقد مع شركات عالمية أو محلية لتنفيذ مشروعات الإسكان بجودة عالية وبسعر منخفض في بيئة تتوفر بها كل المقومات الأساسية من كهرباء ومياه وهاتف ومجارٍ ومدارس وأسواق تجارية بدلاً من التعاون مع المطورين العقاريين في القطاع الخاص الذين ثبت فشلهم وعدم قدرتهم على توفير المساكن بجودة عالية وأسعار منافسة، وكذلك تغيير آلية عمل الصندوق العقاري وفق التنظيم الجديد.. وأعتقد بأنه لو تم تطبيق مثل هذه المبادرات سوف تنخفض التكلفة على المواطن الى أقل من النصف.
وللتوضيح نعرض مثالاً آخر للاقتراض من أجل الحصول على شقة مطورة بواسطة وزارة الإسكان وبتمويل من الصندوق العقاري ومقارنته مع التمويل الحالي المقدم من البنوك والشراء من ملاك العقار، الشقة ذات الـ180 متراً سوف تكون تكلفتها إذا تم تنفيذها على أرض حكومية وتحت إشراف وزارة الإسكان 300 ألف ريال مع تمويلها من قبل البنك العقاري بفوائد منخفضة لا تتجاوز 2 % ومدة تمويل 15 سنة سيكون القسط الشهري في حدود 2000 ريال وهو أقل من تكلفة استئجار شقة على الأسعار الحالية، يتكفل الصندوق العقاري بتمويل المسكن إلى 500 ألف ريال وما يزيد عن ذلك يتم تحويله للبنوك التجارية للحصول على زيادة مبلغ التمويل حسب أسعار الفائدة بالبنوك لمن يرغب في امتلاك وحدة سكنية كبيرة وبهذا تستطيع وزارة الإسكان توفير وحدات سكنية لكل شرائح المجتمع بمواصفات جيدة وتحقق أرباح من خلال الصندوق العقاري لغرض تنمية رأس مال الصندوق ومتابعة المتأخرين عن السداد من أجل انتظام التدفقات النقدية ومواصلة عمليات التطوير العقاري والإقراض.