شهدت المملكة في عهد الملك عبدالله رحمه الله أضخم ميزانية لها بين عامي 2008م و2014م حيث تجاوزت الإيرادات حاجز 1100 مليار ريال وهذا أعطى تسارع وقفزات في قطاع التشييد والبناء حيث بلغت قيمة مشاركة القطاع من حجم الناتج المحلي أكثر من 120 مليار ريال بالأسعار الثابتة، وقد ساعدت البنوك في النهضة العمرانية حيث ارتفعت القروض العقارية التي منحتها للأفراد أكثر من 94 مليار ريال، كما ساهم صندوق التنمية العقاري بضخ أكثر من 129 مليار ريال قروضاً للمواطنين في تلك الفترة، مما أعطى مؤشراً للمخاطر المستقبلية في زيادة الفجوة بين ارتفاع حجم الطلب وقلة العرض في القطاع السكني.
فوضى قطاع المقاولات:
جميع ما سبق من مؤشرات شجع الكثير من شركات المقاولات على التنافس فيما بينها لضخ مشاريع سكنية “ذات جودة عالية وتقديم مواصفات وضمانات للعميل” ومع هذا لم تتمكن من استيعاب حجم الطلب إلى أن دخلت “المؤسسات الفردية والعمالة غير النظامية” هذا السوق، وأصبحت تقدم “منتجات سكنية هشة لا تتوافق مع أي كود بناء” كما أنها لم تقدم أي ضمانات على هذه المنتجات، وبعد ذلك بدأت الأسعار تتضخم بشكل مبالغ فيه إلى أصبحت أسعار الوحدات السكنية (ذات الجودة السيئة) مساوية لأسعار الوحدات السكنية لدى مشاريع الشركات الكبيرة وهذا الأمر أحدث خلط وعدم تمييز من العملاء جعل المتضررين منهم يتوجهوا إلى شركات صيانة العقار لإصلاح وترميم الخلل في عقاراتهم، وفي الجانب الآخر بدأت تتفاقم مشكلة العملاء الممولين من البنوك بعد تزايد عدد الشكاوى تجاه البنوك ومطالبتهم بصيانة العقار أو فسخ العقود بالإضافة إلى ارتفاع عدد المتعثرين من القروض بسبب عدم قدرتهم على السداد، لذلك توجب على مؤسسة النقد أن تتدخل حتى لا تتفاقم المشكلة بشكل أكبر مما دعاها لإصدار قراراً بأن يكون الحد الأقصى للتمويل السكني بنسبة 70% من قيمة المسكن مع مطالبة العميل بسداد الدفعة المقدمة 30% المتبقية، وأن يتم تطبيق القرار على العقود الجديدة بعد تاريخ 09/11/2014م، ومن هنا بدأت تتناقص طلبات التمويل العقاري في البنوك وشركات التمويل وهذا الأمر أثر بشكل كبير على النشاط العقاري وأصحبت تتكدس تلك المشاريع والوحدات السكنية مما حدى إلى تحول بعض مشاريع المؤسسات الفردية “كالفلل وشقق التمليك” إلى قطاع الإيجار حتى لا تزيد الخسائر على مُلاكها، ومن هذا التراكم في المشاريع جعل شركات التطوير عاجزة عن ضخ منتجات عقارية جديدة قبل بيع الوحدات السكنية القائمة، وخلال هذه الفترة ألقى الركود الاقتصادي العالمي بظلاله على الوضع الاقتصادي في المملكة حيث انخفضت الإيرادات في الميزانية وتحول الفائض إلى عجز خلال العامين الماضيين 2015م و 2016م مع توقعات باستمرار العجز في ميزانية 2017م .
معالجة الانكماش العقاري:
القارئ لاستراتيجية وزارة الإسكان يرى أنها تتمثل بتقديم الدعم والتعاون مع القطاع الخاص وقطاع التمويل فقد كان من ضمن الحلول المقدمة “توقيع اتفاقيات مع عدة شركات خارجية وداخلية لبناء وحدات سكنية جديدة؛ ولكن يُعد هذا الحل صعب نظراً لتواجد هذه المشاريع على أطراف المُدن، فعند ترشيح مستحق الدعم السكني سيقف حائراً لقبول العرض بسبب بُعد الموقع عن المناطق الحيوية، وفي حال كان المنتج تحت مظلة البيع على الخارطة فهذا يعني دخول المُستحق في أزمة مالية جديدة تتطلب سداد “أقساط عقد مَسكن لم يستلمه وسداد عقد ايجار للسكن القائم في مدة لا تتجاوز 4 سنوات من الضغط المالي والنفسي، لذلك فإن هذا الحل لن يخدم إلا فئة معينة من المُستحقين، وبناءاً على ما سبق يجب على الوزارة تنويع الاتفاقيات ودعم المطورين وشركات المقاولات أصحاب المشاريع المتكدسة والعمل على توقيع اتفاقيات جديدة لبيع الوحدات السكنية الجاهزة من خلال البنوك بعد اجتيازها معيار “كود البناء بالإضافة إلى حصولهم على الضمانات الكاملة لجودة المنتجات السكنية في هذه المشاريع” ومن خلال هذا الحل سيضمن المُستحق موقع جيد وحيوي ومَسكن يستطيع استلامه فوراً بسعر منافس أقل من سعر السوق الحالي بموجب تمويل عقاري من البنوك، مما يعطي حافز للمطورين وشركات المقاولات بعد بيع مشاريعهم بعد اكتسابهم لثقة “الوزارة والعميل والبنوك” بأن يعملوا على ضخ مشاريع جديدة “ذات جودة عالية وتكلفة أقل”، ومن هذا المنطلق سيتم معالجة الانكماش والركود الحالي بتصفية وتنقية السوق من المشاريع ذات الجودة السيئة (التجارية).
بدون قيود:
عند تكامل الأضلاع الممثلة (بوزارة الإسكان، البنوك وشركات التمويل، المطورين، وشركات المقاولات) سنجد أننا على خطى إعادة النشاط العقاري إلى مساره الصحيح من خلال الدعم الحكومي المرتكز على تمويل المواطن بنسبة فائدة منخفضة حيث لا يمكن لأي من هذه الأطراف أن يسير لوحدة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، لذلك يجب أن يتكاتف الجميع لمصلحة مشتركة واحدة وهي تحقيق أهداف رؤية 2030م بدايةً من هذا العام 2017م، حيث تعتبر فرصة ذهبية لتملك المواطن نظراً لأن تكلفة التمويل العقاري مازالت في متناول اليد بالإضافة انخفاض تكلفة مواد البناء والأيدي العاملة حيث وصلت إلى أسعار مناسبة جداً للمواطن الراغب في البناء وأيضاً للمطور الذي سيعمل على تقديم منتجات عقارية جديدة ذات جدوى اقتصادية تنافسية فالسيولة ستتحرك مره أخرى لسد الفجوة بين العرض والطلب.