قبل أكثر من 150 عام أصدرت الدولة العثمانية قانون للأراضي يهدف إلى تنظيم وخلق نوع من العدل والإنصاف بين شرائح المجتمع وقد قسمت ملكية الأراضي إلى (“الأراضي المملوكة” ذات الملكية الخاصة التي تسمح للمُلاك أن يتصرفوا بها كيفما يشاؤون من بيع أو رهن أو استثمار، وكذلك تصنيف “الأراضي الأميرية” التي تعود ملكيتها لبيت المال حيث تعطى للساسة ليتم استثمارها في الزراعة ولا يحق للمتصرف بها وهبها للوقف أو إهمالها لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات.
انقضاء هذه المدة تعطي الحق للدولة باستعادة الأرض ومنحها لغيره في حال الإهمال أو التهرب من سداد الرسوم والضرائب، وأيضاً تصنيف الأراضي الموقوفة التي حولها أصحابها إلى وقف غير قابل للتصرف، كما نأتي لتصنيف الأراضي المتروكة التي خصصت للانتفاع فيستفيد منها عامة المواطنين كالشوارع والمرافق العامة وما شابهه، وآخر تصنيف في الدولة يسمى “الأراضي الموات” التي تبعد عن العمران ولا يملكها أحد، ويُمكن للمواطن التقدم للدولة بطلب إعمار الأرض ويشترط عليه استثمارها خلال ثلاث سنوات وإن لم يفعل فيتم نزع الأرض منه).
كما لم يتوانى مسيري الدولة بأن يضعوا نظام صارم وقوي يُدعى نظام الطابو والمتمثل في إلزام ملاك الأراضي بتسجيل أراضيهم وهو ما يُعرف في زمننا الحالي “نظام التسجيل العيني” حيث يسمح للدولة بحصر وإحصاء الأراضي وفرض الضرائب والرسوم على الملاك.
وفي حال كان هناك من يسعى للتهرب الضريبي أو ما يفعله الفلاحيين بإعطاء الأرض لأحد الساسة أو تسليمها للأوقاف مع استمراره بالعمل في الأرض فهذا يجعله عُرضة للجزاء والعقوبة حيث يطبق عليه نظام نزع ملكية الأرض وبيعها في المزاد العلني ، وبهذه الأنظمة استطاعت الدولة العثمانية الحد من التلاعب واحتكار الأراضي وكونت لها مورد مالي جيد يُضخ في بيت المال ويستفاد منه في إعمار الأرض كما أنها ساهمت في حث المواطنين وكبار ملاك الأراضي على إحياء أراضيهم.
من هذا السياق، يجب علينا أن نستذكر الأنظمة التي صدرت في عهد المغفور له الملك خالد طيب الله ثراه حيث كانت أهم القرارات هو عدم “منح الأراضي الكبيرة للمواطنين مخافة من احتكارها بالإضافة إصدار قرار يتضمن بسحب الأراضي البور التي لم يستثمرها أصحابها في الزراعة كما أصدر قراراً بوقف نظام المنح مؤقتاُ، واقتصر ذلك على ذوي الدخل المحدود مع إلزام المواطن بعدم بيع الارض وان تكون مخصصة لبناء مسكناً له، ومن هذا المنطلق لم يغفل المغفور له تحقيق رؤيته في توفير المسكن المريح لكل مواطن فهو يٌعد حُلم كبير لكل مواطن لم يستطيع توفيره حتى الآن نظراً لإرتفاع تكلفة الأرض بأضعاف مضاعفة عن تكلفة المسكن , ولن يتم حل هذه المعضلة إلا بسن قوانين إضافية تساند نظام رسوم الأراضي الحالي والذي نستبشر منه الكثير وهي “تفعيل نظام نزع ملكية الأراضي وإيقاف المنح لغير المحتاج مع الحد من المضاربات السعرية على الأراضي وفق ضوابط معينة”.
بدون قيود ..
القارئ للنظام المطبق في الدولة العثمانية مترامية الأطراف لن يجد صعوبة في تطبيق هذه الأنظمة المقترحة في وقتنا الحاضر والتي من خلالها سنحقق الرؤية المنشودة 2030م في توفير المسكن ويكون الواجب علينا هو العمل على حث ملاك الأراضي لإحيائها والتشديد على من لم يحيي الأرض ويسعى في إعمارها وفق مدة زمنية ومساحة محددة بأن يعمل على ذلك لكي نحد من اكتناز الأراضي ونزيد المعروض، وبذلك نكون حققنا الأهم في أن تخفيض سعر الأرض لكي تصبح في متناول ميسور الحال مع الأخذ بيد “معدمي الدخل وذوي الدخل المحدود” في توفير المسكن لهم من خلال البرامج المعدة في وزارة الاسكان والصندوق العقاري وأن تكون سمتنا هي عمارة الأرض بإقامة المشاريع السكنية والتجارية والزراعية عليها، قال تعالى “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها”.