متوقع استمرار الانخفاض الذي بدأ منذ النصف الثاني من عام 2014، وسيكون كبيرا في أماكن بعينها، لكنني أستبعد جدا أن يكون كبيرا من حيث المتوسط العام في أغلب الأحياء بما يحقق تطلعات أكثرية الناس في السكن. وحتى لا يساء الفهم أو يساء الظن، أود التأكيد على أن المقال حيادي هدفه علمي فقط.
التطلعات تقابلها القدرة، مثال: لنفترض أن متوسط سعر الوحدة السكنية بالرياض مليون وربع مليون ريال. ولنفترض أن متوسط الدخل السنوي للعائلة 120 ألف ريال أخذا بعين الاعتبار كل مصادر الدخل الثابتة وشبه الثابتة.
كم دخل سنة يكفي لتملك وحدة سكنية سعرها مليون وربع مليون ريال؟ يساوي تقريبا عشر سنوات ونصفا. وحسب معايير القدرة هذه المدة طويلة كثيرا. ومن ثم، فإن مؤشر التملك هذا سلبي وغير جيد في المملكة، بل إنه في عداد الدول المتأخرة.
هذا المؤشر فيه عيوب ومضلل بالمقارنة. ومن أهم العيوب أنه يتجاهل تفاوت حجم أو مساحة أرض السكن ومسطحات البناء بين الدول. المسكن السعودي من حيث المتوسط أكبر مساحة في الأرض ومسطحات البناء مقارنة بدول العالم غير مجلس التعاون، أحد الأسباب أن رب الأسرة السعودي يعيل في المتوسط أسرة أفرادها أكبر عددا. أما من جهة تكلفة السكن، فمعروف أن أهم عناصره ثلاثة: الأرض والبناء والتمويل.
أما تكلفة البناء فتتحدد عالميا أكثر من كونها محليا. ذلك لأن الاقتصاد السعودي يعتمد على الخارج سواء في اليد العاملة أو المواد.
اعتمادا على أوضاع الاقتصاد العالمي، أستبعد أن تنخفض تكلفة البناء بصورة ملموسة خلال المستقبل القريب عن التكلفة اليوم. علما بأن تكلفة أكثر مواد البناء اليوم أقل ومن حيث المتوسط بنحو 20 في المائة إلى 30 في المائة مقارنة بسنتين أو ثلاث سنوات مضت تبعا لانخفاض الأسعار عالميا، أما أجور اليد العاملة فلم تتغير تقريبا، حسب سؤالي وإفادة أكثر من مقاول بناء.
بقي عاملا الأرض والتمويل.
حصل انخفاض عام في متوسط أسعار الأراضي في بلادنا. لكن كيف؟ هذا سؤال مهم لأن العقار سلعة غير متجانسة. وهذه نقطة جوهرية سواء في الحديث عما حصل أو عما نتوقع حصوله في انخفاض أسعار الأراضي، حتى لا نقع في ضلال أو تضليل عن عمد أو جهل.
ذلك لأن من السهل التضليل في المقارنات بين الدول. وللأسف التضليل كثير جدا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. ويكثر التضليل عن عمد أو جهل أو قلة علم. وللتشبيه، أمثل بمن يعرض صورتين لشارعين (أو حيين أو مدرستين أو …إلخ) أحدهما تبدو عليه علامات الرقي وهو في دولة متخلفة اقتصاديا. والآخر تبدو عليه علامات الإهمال وعدم النظافة وهو في دولة متقدمة اقتصاديا. هل يصلح الاستنباط أن شوارع الدولة المتخلفة أفضل من مثيلتها في الدولة المتقدمة؟ هذا استنباط غير صحيح رغم صحة الصورتين. ولو تقصينا لوجدنا أن الشارع الأول أفضل أو من أفضل شوارع الدولة المتخلفة والثاني أسوأ أو من أسوأ شوارع الدولة المتقدمة.
مع القناعة بأن نسبة سعر الأرض إلى سعر السكن في مدننا الكبرى عالية وهناك مجال واسع لخفضها بما يسهل على الناس تملك سكن، لكننا لسنا وحيدين في ارتفاع النسبة. مثلا، يصدر معهد لنكولن لسياسات الأراضي الأمريكي مؤشرات عن أسعار المساكن ونسبة سعر الأرض منها في عشرات المدن والضواحي الأمريكية. وإليكم الرابط: www.lincolninst.edu/subcenters/land-values/metro-area-land-prices.asp
تقول المؤشرات أن نسبة سعر الأرض إلى سعر السكن تتفاوت تفاوتا كبيرا جدا، إذ تراوح بين 5 في المائة و85 في المائة اعتمادا على المكان المختار والسنة. والقاسم المشترك في الغالب كون هذه النسبة أعلى قبيل الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم انخفضت بعدها. في نيويورك مثلا، تدور حول 50 في المائة بعد الأزمة المالية العالمية، وقبيلها كانت تدور حول 60 في المائة
هناك عوامل معروفة عملت وتعمل على خفض متوسط أسعار الأراضي، خاصة والمساكن عامة، ولن أدخل في تفاصيلها لأنها أشبعت نقاشا.
هناك عوامل مهملة نسبيا في التوقعات، وهي تعمل على الحد من تأثير العوامل المخفضة لمتوسط الأسعار، ويبقى النقاش في المسار والقوة. مثلا، مدى نجاح مشروع التحول الوطني يحد من الانخفاض. مثال آخر. تتأثر نسبة انخفاض الأسعار بمستوى توافر المرافق والخدمات بمعناها الشامل التي يكلف توفيرها كثيرا، ويحتاج إلى وقت طويل لابد من اعتباره. وظروف الميزانية ستزيد من حدته. ما العلاقة؟ طردية بين الاثنين. زيادة المدة المتوقعة لتوفير المرافق والخدمات في أماكن يعني زيادة نسبة الانخفاض في أسعار أراضيها. وهناك محدودية نسبية وبطء في توفير الدعم الحكومي الإسكاني العيني مقارنة بالتطلعات، أي أن علينا ألا نبالغ في تقدير تأثير هذا الدعم على العرض.
انخفاض الأسعار يغري كثيرين للاستزادة. مثلا، يغري بعض من كان يفكر في تملك بيت مساحة أرضه كذا، يغريه بالتفكير في تملك سكن بمساحة أرض أكبر. ويغري أصحاب الدثور (المال) بتملك أو تغيير استراحاتهم ومزارعهم إلى أكبر منها.
أما التمويل فالرأي السائد أن تكلفة التمويل في ازدياد خلال السنوات القادمة مع رفع أسعار الفائدة.
لو اعتبرنا 8500 ريال متوسطا لدخل الأسرة السعودية، فهذا يعني أن المسكن ينبغي ألا يتجاوز سعره 400 ألف ريال حتى يصبح تملكه (بتمويل بنكي) غير صعب على نحو نصف العائلات. بافتراض أن تكلفة البناء لا يتوقع أن تنخفض جوهريا عن التكلفة اليوم، وبافتراض أن متوسط الانخفاض العام في أسعار أراضي عامة أحياء المدن لا يتوقع أن يتجاوز الربع. هذا يعني أن متوسط مساحة أرض أو مسطحات بناء السكن بالسعر السابق في أغلب أحياء المدن الكبيرة ينبغي أن يكون مقاربا لما في دول كثيرة وبعضها كبيرة المساحة. في ماليزيا مثلا، متوسط مساحة أرض الفلة الماليزية قرابة 160 م2 (المصدر مواقع ماليزية)، ومسطحات البناء من دورين في حدود 170 م2.