
في ما يلي لن أقدم رأيا خاصا بي، أو أطلق حكما قيميا على تصريحات وزير الإسكان الأخيرة فالجميع قام بهذه المهمة بشكل مسرف، ولكن سأحاول أن أتحرك في حيز ردة الفعل على هذه التصريحات سواء على مستوى زخمها وتصعدها ومساحة انتشارها بشكل يستوقف ويستحق التأمل لنستخلص من المشهد عدة أمور:
– وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما تويتر دخلت كصانع رئيسي في دائرة العلاقة بين المواطن والمسؤول، وفي ورشة عمل «مستقبل الإعلام الاجتماعي»، التي نظمتها أرامكو السعودية الأسبوع الماضي، أشارت إلى 500 ألف تغريدة سعودية يوميا بينما تحتل المملكة المرتبة السابعة على مستوى كثافة التغريدات.
أسراب المغردين أصبحت تشكل نمطا جديدا من العلاقات الرأسية والأفقية داخل المجتمع، سواء من حيث تعدد مصادر المعلومة أو طريقة تدويرها والتعليق عليها، ما يفضى بنا إلى ضرورة تطوير الأنماط التقليدية في تلك العلاقات، وقد لايقتصر الأمر على تويتر بل هناك وسيلة متوارية نوعا ما (واتس أب) تحتل المملكة المرتبة 14 في استعماله، حيث أصبحت القروبات تشبه الديوانيات الإلكترونية، التي يطرح فيها أي شيء وكل شيء في بث مباشر لحظة حدوثه، وما فاتك من التغريدات سوف يرسل لك عبر القروبات.
– ارتفاع أسقف التعبير ومساحاته داخل وسائل التواصل الاجتماعي، هو دوما مؤشر على مجتمعات حضارية متمدنة تعبر عن انتمائها ومشاركتها، إلا أننا هنا لانستطيع أن نغفل الجانب السلبي لهذه الظاهرة، التي قد تفتقد المصداقية فتصبح حقلا خصبا للشائعات والتشويش، لاسيما أن إعلام الحشود عادة يسيطر عليه الانفعالية والاندفاع.
يذكر غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير) :(السهولة التي تنتشر فيها بعض الآراء وتصبح عامة تعود بشكل خاص إلى عجز معظم الناس عن تشكيل رأي خاص مستوحى من تجاربهم الشخصية في المحاكمة والتعقل).
– هناك حالة احتقان جمعي تتعلق بالسكن، هذا الاحتقان من الظلم أن ينسب لشخص واحد قد يكون خطؤه الوحيد هو عدم تقديره لحجم هذا الاحتقان بل مشكلة السكن يعرف الجميع أنها ركام لسنوات من سوء التخطيط وجشع ملاك العقار، ولا أعتقد أن وزارة واحدة ستحله حتى ولو كان وزيرها سوبرمان، ما لم يكن هناك هيئة أو لجنة عليا تمثل بعدد من القطاعات، وتدعم بقوة من القيادة العليا، لاسيما أن مشروع المغفور له الملك عبدالله فيما يتعلق بالاسكان والذي رصد له 250 مليار ريال لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية لم يستشعره المواطن إلى الآن، فهناك عقبة تنفيذية تراكم أزمة السكن العام تلو الآخر.
– لوحظ في ردة الفعل على وزير الاسكان مشاركة التيارات الفكرية بجميع أطيافها، وهناك أسماء ممن اعتادت السير بجانب الجدار تفاجأ بها المتابع بأنها خاضت مع الخائضين.. وبقوة، بالتأكيد هذا أحد ملامح الاحتقان والتوتر المتعلق بازمة السكن لدينا، وكالعادة يجد البعض في الشقوق التنموية مدخلا للشأن السياسي.
– الإعلام حرفة صعبة والحصول على المصداقية يتطلب خبرة وشفافية، قياس الكلمة وتوقيتها وزمنها وكأنها مبضع جراح، لذا عادة يكون للمؤسسات الكبرى خبير إعلامي قادر على ممارسة هذه اللعبة بحرفية، على أن ينأى المسؤول الأول عن الضوء إلا في أضيق الحدود، لأن الإعلام كنيران المهرجان، من الممكن أن تصنع منك نجما، ولكن أيضا ممكن أن تلتهمك.
– في النهاية النوايا الطيبة وحدها لاتقدم الحلول.. بل ستضيف عاما آخر لمشكلة السكن المزمنة لدينا.