في عصر يموج بالتقنية والابتكارات والتسارع المذهل في الصناعة لم يعد مقبولا أن تفكر ببناء منزل مثلا في عام 2015 وتصمم مخططا هندسيا يعود للسبعينيات أو الثمانينيات الميلادية.
هذه الفرضية التي تبدو رومانسية نوعا ما، إلا أنها تصب تماما من أسمنت “الواقعية الهندسية” التي باتت تتحدث اليوم عن المباني الخضراء ومفاهيم الاستدامة، وعناصر كثيرة أصبحت تشكل مفاتيح التصميم والبناء والسكنى التي تراعي احتياجات المستقبل.
أقول هذا والخطاب للفرد العادي الذي يحلم ببناء منزل له ولأسرته ويجمع من قوت يومه لتحقيق هذا الحلم أن يضيف لحلمه مفاهيم وتفاصيل صغيرة ولكنها مهمة جدا تتعلق بالبيئة واستخدام الطاقة ومراعاة المعطيات “الطبوغرافية” في مخططه الصغير في مساحته لكنه كبير في قيمه المستدامة متى أصبح جزءا من منظومة عامة تفكر في أن البناء هو لغة المستقبل وليس الحاضر فقط.
أما على المستوى الحكومي، فإن نظرة سريعة لبعض مشاريع الإسكان التي نشرتها الصحف السعودية في تغطيتها الإعلامية للوحدات التي تنفذها وزارة الإسكان وتصل إلى 212.6 ألف وحدة سكنية، هي بطبيعة الحال بعيدة كل البعد عن فهم احتياجات المستقبل، وإحداث ثقافة سكانية تعنى بالجانبين البيئي والصحي وتحافظ على الموارد الطبيعية، أو تقديم حلول لفرز وتدوير النفايات.
وحين تحاور مسؤولا في هذا الشأن يرمي بالكرة مباشرة في ملعب “المواطن” وأنه المعني بفهم احتياجات الاستدامة والتعامل معها، وأن المسألة في رأيه تحتاج لمواطن يستطيع استيعاب ثقافة “المباني الخضراء” وما إلي ذلك من التبريرات التي لا تنتهي.
وفي رأيي أن المواطن لن يقول لا، لتشريعات هندسية تصب في مصلحته ومصلحة أبنائه وأحفاده.. المواطن لن يقول لا، متى توافرت له الأدوات “صديقة البيئة” بتكاليف معقولة وليست خيالية قياسا بغيرها من الأدوات التي يحتاج إليها لإنجاز منزله.
أتمنى أن تضع وزارة الإسكان يدها في يد الجهات الأخرى كأمانات المدن وهيئة المهندسين السعوديين وغيرها من الجهات ذات العلاقة للخروج بتشريعات وطنية تجعل من البناء مفهوما للاستدامة، وهي خطوة أتصور أنها ستمثل مرتكزا حقيقيا لبناء مسكن كبير اسمه “التنمية المستدامة” خاصة أن معدلات الهدر في الطاقة والموارد الطبيعية، بلغت أرقاما فلكية جعلتنا في رأس الهرم العالمي للهدر!
وكي لا يقول قائل إن وزارة الإسكان منشغلة بتوفير “اللقمة” قبل “الحلوى” أي المسكن التقليدي قبل الرفاه من منظور البعض، أقول إن ما يعتقد بأنه اليوم: “الحلوى” سيصبح في الغد القريب هو “اللقمة” الأساسية للعيش اللائق بكرامة الإنسان وتلبية احتياجاته.