يمثل قطاع البناء أحد أهم المجالات الاقتصادية في المملكة، بل هناك من يؤكد أن ترتيبه يأتي ثانياً بعد النفط في المساهمة بالناتج المحلي الإجمالي، ولتلك الأهمية، ودرجة الإسهام التنموي لهذا القطاع، إضافة لما يواجهه من تحديات في مقدمتها الطلب على المباني قليلة التكلفة، وذات الأثر الإيجابي على البيئة، وما يتطلب ذلك من أهمية معرفة ما تم التوصل إليه من تطور في التقنيات الموجهة للحفاظ على الموارد الطبيعية، وترشيد استهلاك الطاقة، وخفض استهلاك المياه، وكل ما يمكن أن يقع ضمن إطار السياسات المتعلقة بقطاع البناء، المهتمة بتحقيق مفهوم الاستدامة في المباني، تبنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الإعداد والاستضافة الأسبوع الماضي للمؤتمر السعودي الدولي لتقنيات البناء والتشييد، في حرص منها على أن يتيح هذا المؤتمر للجهات الحكومية والقطاع الخاص في المملكة التعرف عن قرب على آخر ما تم التوصل إليه في مجال تقنيات البناء والتشييد، من خلال جمع نخبة من المتخصصين في هذا المجال، لتبادل الافكار، وتعزيز أوجه التعاون فيما بينهم.
لقد سعت جلسات المؤتمر إلى عرض ومناقشة التطورات في تقنيات البناء والتشييد، ضمن أربعة محاور، هي محور كود البناء الذي تم فيه تبني دعم تطبيق كود البناء السعودي في قطاع البناء والتشييد في المملكة، ومحور المواد الانشائية الخضراء، الذي تم فيه الاطلاع على بعض التجارب العالمية في استخدام الموارد الطبيعية واستخدامها مواد بناء مستدامة قابلة للتطبيق، ومحور التقنيات المستدامة في المباني، الذي اهتم بتقنيات البناء الصديقة للبيئة، ممن تعمل على زيادة كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها، واعادة استخدام نفايات البناء، أما المحور الرابع فكان عن العزل الحراري وما توصل له الباحثون في مجال تقنية العزل الحراري للمباني، وتقليل مستوى التبادل الحراري بين البيئة المحيطة والبيئة الداخلية للمبنى.
إلا أن من بين أبرز ما أعلن عنه في حفل افتتاح فعاليات المؤتمر، هو قيام مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بإنشاء المركز الوطني لتقنية البناء والتشييد في المدينة، إضافة إلى دعمها البحث العلمي والتطوير التقني في مجال البناء بوجه عام، ليكون هذا المركز رافداً آخر يدعم هذا القطاع الاقتصادي والتنموي المهم، الذي أملنا أن يحظى مجال الإسكان منه تحديداً بالأولوية في الاهتمام وبالذات الطلب على المباني قليلة التكلفة، حيث لا زلنا نرى التركيز منصباً في هذا المجال، على عنصرين دائماً ما يتم التمحور حولهما وإغفال ما عداهما، ألا وهما تكلفة الأرض، ومقدار قرض التمويل للحصول على مسكن، دون إعطاء الجوانب الأخرى التي لا تقل عنهما في الأهمية نصيبها من العناية، لا سيما مواد البناء وما يرتبط بها من تقنيات، التي متوسط نسبتها كما نعلم لا تقل في الغالب عن (30%) من إجمالي تكلفة بناء الوحدة السكنية، فهل نرى هذا الجانب يحظى بنصيبه الذي يستحقه من عناية المركز الوطني “التطبيقي” لتقنية البناء والتشييد، ليسهم هذا المركز بدور ريادي في إمكانية توفير مساكن اقتصادية منخفضة التكلفة وفي متناول الجميع..؟