من يشاهد استمرار معظم أجهزة الدولة في مقرات مستأجرة يشك بأن بعض المسؤولين لديهم قناعة بأن هذه الوزارات وهذه الإدارات هي في مهمة مؤقتة! وأنهم بأجهزتهم الإدارية هذه راحلون في يوم ما لذلك فإنهم يرون بأن وزاراتهم وإداراتهم هذه لا تستحق بناء أو شراء مقرات رسمية!
فوزارة الإسكان احدث وزارة لدينا انشئت في عام 1432ه وعهد إليها مسؤولية توفير مساكن للمواطنين لكنها ما زالت إلى الآن في مبان مستأجرة! فكيف لها أن توفر مساكن للمواطنين وهي لم تستطع ان توفر لها مقرات مملوكة..
ووزارة الإسكان شأنها شأن الكثير من الأجهزة الحكومية التي تعمل في مقرات مستأجرة في كافة مناطق ومحافظات المملكة وهذا الإيجار يمثل أهم وأعلى المصروفات (السنوية) في الميزانية العامة للدولة..
ورغم هذا الارتفاع المستمر لم تُتخذ الخطوات الجادة والعاجلة والمنظمة لمعالجة هذا النزف المستمر والمتزايد والمبالغ فيه سنوياً في مصروفات الدولة ما يؤكد حقيقة غياب التخطيط والتنفيذ العاجل لتحويل مقرات هذه الأجهزة إلى مقرات مملوكة لها وإيقاف هذا الهدر المالي السنوي الباهظ في المال العام وتحويل هذه المصروفات إلى أوجه صرف أخرى هي أولى وأحق بتلك المبالغ (الخيالية) التي قد تتجاوز كل التوقعات.
المسؤولية هنا تقع على وزارة المالية بالدرجة الأولى ثم على بقية أجهزة الدولة المعنية دون اتخاذ خطوات جادة وعاجلة للتحول إلى مواقع مملوكة للدولة بدلاً من الاعتماد على الاستمرار في عملية الاستئجار لمواقع، كثيرُ منها يمكن القول إنها للأسف الشديد غير مؤهلة اطلاقاً، ولا تستحق أدنى نسبة من مبالغ الايجار وغير مشرفة لأن تكون مقرات حكومية خاصة في معظم المحافظات والمراكز في مختلف مناطق المملكة.
فالمتمعن في الكثير من المدارس وفي مقرات هيئة التحقيق والادعاء العام وفي المحاكم وفي المواقع الصحية وغيرها في جميع مناطق المملكة.. ومن يسير في طريق الملك فهد من جنوبه حتى شماله في كل الاتجاهين سيشاهد هذه العمائر وهذه الأبراج السكنية التي تحولت إلى مقرات حكومية مستأجرة بعقود مالية كبيرة جداً إلى درجة أن منها ما يمكن القول إنها مبالغ خيالية!
وسيتساءل بكل حسرة لماذا تحولت أجهزة الدولة إلى هذه المباني المستأجرة؟ أين التخطيط وأين الحرص على المال العام من هذا الهدر الذي يكلف الدولة سنوياً مبالغ كان من الأولى أن توجه إلى إيجاد مبان مملوكة للدولة منذ سنوات طويلة..
وحتى في موضوع الإيجارات هناك مشكلة تعاني منها أجهزة الدولة في هذا الجانب وتكمن في نظام (إيجار الدور) المتبع في كل أجهزة الدولة حالياً فالنظام يتضمن بأن عقد الإيجار لأي موقع حكومي يجب ألا يتجاوز 3 سنوات مع منح الجهة الحكومية حق الاستمرار في الموقع لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات مع زيادة في الإيجار بقيمة 10% من قيمة العقد كما يجوز التمديد لثلاث سنوات أخرى بنفس النسبة بشرط موافقة الطرفين.. وبعد هذه السنوات التسع فإن الجهة الحكومية ملزمة نظاماً بإخلاء الموقع أو الاستمرار بعقد جديد وفق النظام بعد أخذ موافقة وزارة المالية ومن المؤكد أنه سيكون بتكلفة أعلى بمراحل كثيرة.. وإذا تطلب الأمر الانتقال إلى موقع آخر فإن الدولة مؤكد أنها ستتحمل أعباء مالية كبيرة جداً تتمثل في تكاليف النقل ونقل التجهيزات المختلفة وستكون مكلفة مادياً على ميزانية الجهة الحكومية اذا كان الموقع يتضمن تجهيزات فنية وتقنية عالية الدقة يتطلب الأمر نقلها.
لذلك فالمطلب الأهم والعاجل هو إعادة صياغة هذه الجزئية من النظام بحيث تكون مدة إيجارات الدور لكافة أجهزة الدولة لمدة لا تقل عن عشر سنوات او أكثر مع حق الجهة الحكومية في تمديد العقد لسنوات أخرى أو إلغائه في أي وقت.. وهذه ضمان للمال العام ومخرج كبير لتلافي إلزام الكثير من أجهزة الدولة من قبل الملاك بإخلاء الموقع بعد نهاية مدة الاستئجار أو رفع الإيجار في استغلال واضح لقصر مدة العقد.
المطلب اليوم إنقاذ الميزانية العامة من هذا الهدر المالي السنوي المبالغ فيه وسرعة إعادة النظر في نظام إيجار الدور الحالي من كافة الجوانب..