خاص: حديث العقار
يصحبكم حديث العقار فى رحلة عبر العصور الزمنية المختلفة لمعرفة التطور التاريخي للعمارة السكنية في المملكة العربية السعودية؛ بداية من عصر الكهوف والأكواخ، ومروراً بعصور المباني الطينية، والمساكن ذات الفناء الداخلي، وانتهاءاً بالتصاميم المميزة الراقية بالفلل الحديثة المنفصلة والدبلكسات، ومباني الشقق السكنية شاهقة الإرتفاع، والقصور السكنية.
والبداية عندما سكن الإنسان القديم الكهوف والأكواخ، المبنية على الطريقة البدائية خلال عصور ما قبل التاريخ، بهدف الحماية من الحيوانات المفترسة والمعتدين ومقاومة تقلبات المناخ المختلفة، بعدها بدأ الإنسان في محاولة لفهم الظواهر البيئية والتضاريس المناخية للمنطقة، ليبدأ معها في التفكير في تطوير مسكنه، واستحداث أنواع مختلفة من المساكن لخلق بيئة سكنية ملائمة.

وهنا بدأت العمارة السكنية تتأثر ببعض العوامل كطبوغرافية المكان، والتي كان لها دوراً هاماً في التشكيل المعماري للمسكن، الذي يختلف من المرتفعات الجبلية إلى الأراضي المنبسطة إلى الوديان، كما كان لها الأثر البالغ في تعدد المباني السكنية من حيث التخطيط والتصميم ومواد البناء؛ ليظهر المسكن الجبلي بالمناطق الجبلية، والذي يتناسب مع طبيعة وجغرافية المنطقة الجبلية، والمنزل ذو الفناء بالمناطق الساحلية حيث الأرض المنبسطة والجو المعتدل، والمسكن الصحراوي في الواحات والتجمعات الصحراوية.

أما المناخ فقد لعب دوراً كبيراً في تطور المباني السكنية، وفي تكوين وتشكيل عناصر المبنى الرئيسية من أسقف وواجهات ونسيج عمراني وفتحات ومواد بناء، لتظهر القباب في الأسقف وملاقف الهواء والحوائط السميكة المبنية بالطين والحجارة في المناخ الحار الجاف، والأسقف المائلة ومداخن التدفئة والتكسية بالحجارة في المناخ البارد.

كما أثرت البيئة الاجتماعية بشكل كبير في نشأة المباني السكنية، فاختلاف الطبقات الإجتماعية والعادات والتقاليد كان له أثر في تعدد أنواع المباني السكنية، فالمجتمعات القبلية تميزت بوجود الأحياء والحارات السكنية والمساكن ذات الأفنية الداخلية.

وعن العوامل الاقتصادية فقد ساعدت بشكل كبير في نشأة وتطور المباني السكنية التقليدية، ونتيجة لاكتشاف النفط وزيادة دخل الفرد، وارتفاع مستوى المعيشة ظهرت أنماطاً سكنية جديدة بتصميمات حديثة وبمواد بناء مستوردة، واختفت مساكن العائلات الممتدة والأفنية الداخلية، وبدأ تصميم المساكن على الطراز الأوروبي والإعتماد على التكييف الصناعي والتجهيزات الكهربائية.

ومع التطور الذي شهدته المباني السكنية بالمملكة بدأ معه التطور في مواد وتكنولوجيا البناء، فقديماً اعتمد الإنسان في إنشاء مسكنه على مواد البناء المتاحة له في الطبيعة مثل الحجر والطين والخشب الطبيعي، وشكّل بها أنماطا سكنية متعددة بتقنية بسيطة تعتمد في إنشائها على الحوائط السميكة الحاملة والأسقف الخشبية، وفي عصر الصناعة وتطور التكنولوجيا ظهرت مواد بناء جديدة مثل الحديد والاسمنت فغيرت وجه الإنشاء عامة مما كان له الأثر الكبير في استحداث أنماط جديدة من المباني، فحلت الحوائط الخرسانية الرفيعة مكان الحوائط الحجرية والطينية السميكة، وحلت القضبان الحديدية مكان جذوع الأشجار وأغصانها، وأمكن من خلال هذه المواد زيادة ارتفاع المباني وإعطاء المرونة في تقسيم الفراغات وتشكيل الواجهات، بالإضافة إلى اختراع السلالم المتحركة والمصاعد الكهربائية التي أدت إلى زيادة ارتفاع المباني بشكل كبير.

وهناك أربعة أنماط متميزة للمساكن التقليدية بالمملكة العربية السعودية، نبعت هذه الأنماط من واقع التباين المناخي ،والإقليمي فيما بينها وهي:

العمارة الحجازية:
انتشرت في المنطقة الغربية للمملكة حيث المناخ الحار الرطب على الساحل الذي يتحول إلى المناخ الحار الجاف كلما اتجهنا شرقا إلى الداخل. وهذا الإقليم يضم مدن مكة المكرمة، المدينة المنورة والطائف وجدة والمناطق التي تقع فيما ببينهم، وقد كانت جدة مركزا للتبادل الثقافي والتجاري فيما بين الإقليم ومختلف بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، ومثل هذا التبادل أثر على تقنية البناء لتظهر مواد بناء غير محلية أكثر تطورا وثباتا، وتعتبر عمارة هذا الإقليم استمراراً طبيعياً للعمارة الإسلامية في مصر والشام، وظهر ذلك في المشربيات والزخارف المركبة على الفتحات والشبابيك ،وتطورت هذه المشربيات حتى أصبحت غنية بالزخارف الخشبية، ونظراً لطبيعة هذه المنطقة الحارة الجافة فظهر الفناء الداخلي الذي يعمل كملطف مناخي مع إعطاء أعلى درجات الخصوصية والذي يضم عادة أحواض مياه أو نافورات للمساعدة على تلطيف المناخ.

عمارة المرتفعات:
وتميزت به منطقة الجبال في الإقليم الجنوبي الغربي من المملكة، والذي يضم عسير والطائف وأبها، فطبيعة المنطقة الجبلية المرتفعة ومناخها الرطب كان له أثرعلى سمات العمارة بالمنطقة التي تختلف عن العمارة بباقي شبة الجزيرة العربية، فعمارة منطقة عسير متأثرة تأثرا واضحا بالعمارة اليمنية المتمثلة في المساكن البرجية المبنية أعلى الجبال بينما تستغل سفوح الجبال في الزراعة.

والمباني في عسير مبنية من الطين والحجر، وتتميز بوجود مداميك حجرية متعددة بارزة على مسافات منتظمة في صورة أحزمة كاملة تمتد حول المبنى، ووظيفة هذه المداميك الأساسية حماية المبنى من الخارج من التقلبات الجوية التي تكون في صورة أمطار كثيفة تشهدها المنطقة بحكم موقعها في قمم سلسلة الجبال،وترتفع المباني في المنطقة إلى أربعة وخمسة أدورا، وهناك بعض المباني تكون مبنية من الحجرالذي يجلب من الوديان وبدون مونه بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، ومثل هذه المساكن تكون من دور أو أثنين ولضمان الثبات والترابط تحشى الفجوات بكسر الحجارة الصغير وقد يصل سمك الحائط إلى 70سم في الدور الأرضي، عادة هذه المساكن تكون مزودة بفناء داخلي.

العمارة النجدية:
موجودة بالمناطق الصحراوية بشبه الجزيرة العربية وتتميز به المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية، وهذه المنطقة ذات مناخ حار جاف، ويميز هذا الطراز المعماري وجود الفناء الداخلي الذي لا يعمل كملطف مناخي فقط، بل يوفر أيضاً أعلى درجات الخصوصية للأسرة داخل المسكن، وفي النماذج الأكثر تطورا بدأت الأفنية تنتظم أشكالها سواء بمستطيل أو بمربعة، وتنتظم الغرف حولها والمباني عموما مبنية من الطين بسمك 45 إلى 75 سم، وأحيانا تستخدم الحجارة مع الطين والحوائط السميكة لتوفر درجة عالية من الثبات الحراري داخل المبنى، وقد يستخدم الجبس والطين كمادة رابطة، ويستخدم الجبس في البياض أما الأسقف فتكون من الخشب أو جذوع وأفرع النخيل. وتتواجد المساكن متلاحمة مع بعضها بحيث تظلل على بعضها وهذا يأتي استجابة للطبيعة المناخية الشديدة الحرارة، أما المنازل الموجودة على أطراف التجمع السكني فنجدها أقل المساكن ذات الفتحات لتفادي الوهج الشديد لأشعة الشمس أثناء النهار.
عمارة المنطقة الشرقية:
وهو طراز العمارة بالمنطقة التي تتميز بمناخ متأرجح بين الحار الجاف والحار الرطب بالقرب من الخليج وتشمل هذه المنطقة الظهران والرياض والدمام، وتتميز عمارة المساكن التقليدية بهذه المنطقة بوجود الفناء الداخلي كعنصر أساسي بالمسكن، ويتخذ الفناء في هذه المنطقة أشكالاً أكثر انتظاماً عنها في المناطق الصحراوية، وعادة تبنى المباني في صفوف متراصة بحيث تظلل مجموعات المباني على بعضها، وتوضع المباني في صفوف ممتدة عبر اتجاه الشرق – الغرب بحيث تكون مساحات المعيشة الداخلية بالمسكن ذات توجيه شمالي وجنوبي على أن توضع غرف الخدمة والتخزين على الجانب الغربي، يراعى أن تكون فتحات الأبواب والنوافذ على ممرات مغطاة حول الفناء، بينما تكون الفتحات الخارجية قليلة وضيقة وتزود بسواتر خشبية لحماية الفراغ الداخلي من وهج الشمس والرياح المتربة. قد تتواجد نوافذ غير مباشرة لعملية تغيير الهواء بدون جرح للخصوصية أو توضع النوافذ في أعلى الجدران، وفي بعض الأحيان تلغى الفتحات الخارجية تماماً ويعتمد المسكن في توفير الضوء وتغيير الهواء على الفناء الداخلي، ولضمان الثبات الحراري داخل المسكن تكون الحوائط من الحجر بسمك يتراوح بين 45 و 75 سم مع استخدام الطين والجبس كمادة رابطة، وفي المناطق القريبة من الخليج حيث تزداد نسبة الرطوبة يستعمل كمادة عازلة للحماية من الرطوبة. أما الأسطح فتكون من جذوع النخيل الملقى عليها كسر الحجارة والطين.

وتستخدم مواد نهو ملساء ذات ألوان (فاتحة) لتحقيق الانعكاس المباشر لأشعة الشمس ويجب أن تكون المواد الخارجية ثابتة حتى لا تتأثر بالرطوبة والأمطار التي تهبط على هذا الإقليم، روعي في المساكن التقليدية استخدام الألوان كالأحمر والأزرق والأصفر في الزخارف الهندسية على الأبواب والشبابيك والأسقف، كذلك إحاطة المسكن بمسطحات خضراء كثيفة على الجانب الجنوبي والغربي للتقليل من حدة أشعة الشمس الساقطة، وفي النماذج المطورة روعي أن تكون الأرضيات حول المبنى ملساء بحيث تسمح بانعكاس الأشعة لا اختزانها.
المنطقة الجنوبية:
أما أنماط المساكن الغريبة على الروح العام للعمارة السعودية، فقد ظهرت في إقليم نجران في شكل أكواخ مخروطية، ذات أصل أفريقي من الأخشاب وحوائط وأسقف من الطين، ودخلت هذه الأنماط إلى المنطقة عن طريق السودانيين والأثيوبيين الذي انتقلوا وسكنوا واستقروا في المنطقة الجنوبية. ويتميز هذا النمط بأنه يوفر الظروف المناخية المناسبة لمعيشة الإنسان حيث يسمح القش والطين بتغيير الهواء وتهوية الكوخ بدون أي فتحات غير الباب، ويسمح الشكل المخروطي للسقف المطلي من الداخل ببياض أملس – بهروب الهواء الساخن من السقف. ومن ناحية أخرى، فإن القش يحمي السقف الطيني من تقلبات الجو، بالتالي يوفر نوع من التظليل للسطح الطيني ملطفا لدرجات الحرارة الداخلية.
وظهرت أنماط سكنية متدهورة في صورة إسكان عشوائي غير مرخص، حيث نزح أعداد من السكان من منخفضي الدخل بحثا عن مصادر للرزق وظهر ما يسمى بالصنادق والعشش، وهى أنماط سكنية بنيت من الصفيح وأخشاب الصناديق، ومخلفات المباني وبالطبع فلا تتمتع هذه المساكن بأقل حد ممكن من الخدمات الأساسية، وساعد على تفاقم هذه الظاهرة نقص المعروض من الوحدات السكنية في ذلك الوقت وارتفاع القيمة الايجارية وارتفاع أسعار الأراضي.

وكشفت دراسة أعدتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أن الاستعمال السكني يستحوذ على أكثر من 65 في المائة من مباني المدينة، وأكثر من نصف المباني مخصصة للأغراض السكنية، ويسيطر عليها نموذج «الفيلا».
وبينت الدراسة أن المباني السكنية تشكل أكثر من 65 في المائة من إجمالي مباني المدينة، وتشمل: الفلل والعمائر السكنية والبيوت العربية والمجمعات السكنية والمباني الحضرية، إضافة إلى أنماط أخرى من المباني.
وتمثل الفيلا النمط السكني السائد في مدينة الرياض، وتشكل 48 في المائة أي نحو نصف عدد مباني المدينة، ويصل عدد «الفلل» في مدينة الرياض إلى 175329 فيلا، وهي تنتشر بنسب متقاربة في أحياء مدينة الرياض الحديثة، بينما تمثل العمارة السكنية النمط الثاني في المباني السكنية، حيث يبلغ عددها 32043 عمارة.
أما المجمعات السكنية فقد بلغ عددها 11727 مبنى، وهي موزعة بشكل متجانس بين أحياء مدينة الرياض.
وبلغ عدد البيوت العربية المشيدة بمواد تقليدية «الطين والحجارة» 36462 مبنى، ومن ضمن هذه المباني مجموعة تتسم بقيمتها التراثية العالية، حيث يزيد عدد المباني التراثية «من حيث تكوينها أو قيمتها التاريخية» عن 15 ألف مبنى.
وعن مواد البناء عبر المراحل المختلفة لتطور نموذج البناية السكنية عبر مختلف العصور، ففى المرحلة الانتقالية أو مرحلة بناء الناصرية في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز (رحمه الله)، والتي تمَّ فيها لأول مرة استخدام مواد وتقنيات بناء جديدة (مثل: الخرسانة المسلحة والطوب الإسمنتي)، كما ظهرت بعض المواد والتقنيات الحديثة آنذاك والتي عرفت فيما بعد (بالبيوت أو المساكن الشعبية).

وفي المرحلة المعاصرة فقد تم انشاء مشروع الملز، الذي نفذ كأول مشروع إسكاني بحجم كبير، وقدَّم مشروع الملز نمطاً إسكانياً جديداً لتخطيط شبكة الطرق، ولتصميم نماذج الوحدات السكنية؛ بالإضافة إلى بناء المجمعات الإسكانية، كما ظهرت أنماط معمارية جديدة في شكل نماذج مختلفة من الفلل الحديثة المنفصلة والدبلكسات، ومباني الشقق السكنية المتعددة والقصور السكنية.

