التقرير السنوي عن السوق العقارية، أكد أن متوسط أسعار الوحدات السكنية (الفلل) على مستوى المملكة بلغ 1.5 مليون ريال، وبالنسبة للشقق السكنية بلغ 563 ألف ريال، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك المتوسطات ليست فعلية بالنظر إلى اختلافاتها حسب المدن والمناطق، فقد تجد الأسعار أعلى من ذلك بكثير في بعض المناطق والمدن، وبعضها أدنى من ذلك؛ فعلى سبيل المثال وصل متوسط قيمة الفيلا والشقة الواحدة في مدينة الرياض خلال عام 1435 إلى 1.6 مليون ريال و435 ألف ريال على التوالي، وفي جدة وصل متوسط الأسعار إلى 1.4 مليون ريال و632 ألف ريال على التوالي، وفي مكة المكرمة وصل متوسط الأسعار إلى 1.5 مليون ريال و730 ألف ريال على التوالي، وفي المدينة المنورة وصل متوسط الأسعار إلى 1.4 مليون ريال و717 ألف ريال على التوالي، وأخيرا في الدمام وصل متوسط الأسعار إلى 1.8 مليون ريال و584 ألف ريال على التوالي فهل تخيل أحدنا كم يحتاج الأفراد الباحثون عن تملك مسكن لائق بالأسعار السوقية الراهنة في سوق العقار؟
تحت مظلة بدء عمل شركات التمويل العقاري من الأسبوع المقبل بتمويل شراء المساكن والعقارات، واشتراط دفع 30 في المائة من تكلفة الشراء كدفعة مقدمة، أقول الشاهد من كل ذلك هو البحث عن إجابة لحجم التمويل اللازم لأفراد المجتمع لشراء المساكن سواءً كانت شققا أم فللا مناسبة الحجم لهم ولأُسرهم، كم يا ترى يمكن أن يصل إليه حجم التمويل اللازم على افتراض عدم تغير معطيات السوق العقارية بما تحمله من تشوهات وغلاء مبالغ فيه؟
تشير بيانات كل من مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات ووزارة الإسكان، مع الأخذ في الاعتبار عدم اتفاقها على رقم محدد، إلى أن عدد الأفراد المستأجرين والباحثين عن تملك مساكنهم يراوح بين 1.2 مليون مواطن إلى 1.5 مليون مواطن، وهي إحصاءات متحفظة جدا مقارنة بما تنشره بعض التقارير الصادرة عن جهات أخرى في القطاع، تتحدث عن أرقام تزيد على 2.2 مليون مواطن إلى 2.5 مليون مواطن، وسيتم الاعتماد هنا على البيانات الرسمية.
وفقا لما ورد أعلاه؛ يتبين أن حجم التمويل اللازم تقديمه من شركات التمويل العقاري (70 في المائة من إجمالي قيمة التكلفة)، إذا كان جميع الأفراد سيستهدفون شراء شقق سكنية فقط، يقدر أن يبلغ حجم التمويل اللازم على افتراض عدم ارتفاع الأسعار نحو 571.4 مليار ريال، أي تقريبا ضعف القروض الاستهلاكية القائمة على الأفراد في الوقت الراهن (333.5 مليار ريال)، التي تشكل نحو 22.4 في المائة إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. علما بأنه وفق هذا الخيار يجب على الأفراد دفع 30 في المائة المفروضة نظاميا عليهم، التي تبلغ وفق هذا الخيار نحو 245 مليار ريال، أي ما يعادل نحو 59.0 في المائة من إجمالي الأجور الراهنة التي تتقاضاها العمالة السعودية في القطاعين الحكومي والخاص (يبلغ مجموعها 416.4 مليار ريال لعام 2014). النتيجة الختامية لهذا السيناريو هي ارتفاع مجموع ما على الأفراد من قروض مصرفية وتمويلية عقارية إلى 905 مليارات ريال! أي ما سيشكل نحو 61.0 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بأرقام اليوم.
أما في حال ذهبت النسبة الأكبر من الأفراد إلى تفضيل شراء الفلل السكنية، هنا سيكون على شركات التمويل العقاري دفع 1.5 تريليون ريال! وعلى الأفراد دفع المقدم المحدد نظاميا بما يصل إلى 642 مليار ريال (154 في المائة من مجموع الأجور السنوية)، وبناء عليه سيرتفع إجمالي القروض الاستهلاكية والعقارية على الأفراد إلى أعلى من 1.8 تريليون ريال، أي ما تصل نسبته إلى 123 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. وفقا لهذا السيناريو المخيف جدا؛ سيكون مستحيلا أن تتمكن شركات التمويل العقاري ومعها جميع المصارف التجارية المحلية والأجنبية، وحتى القروض المقدمة من صندوق التنمية العقارية من توفير أكثر من ثلث هذا المبلغ الضخم، أو أقل منه.
أريد أن نرى جميعا الطريق الذي يريد البعض لأي سبب كان، أن نسير فيه على غير هدى وغير رشد! طبعا العوامل القائمة اليوم من ضعف مستويات دخل الأفراد، وتراكم الديون المصرفية على أغلبهم، وضعف إمكانية توفير الأفراد للمقدم المفروض نظاميا (30 في المائة من قيمة شراء العقار)، وغيرها من العوامل الأخرى التي ستحد كثيرا من فرصة تحقق رغبة السير في هذا الطريق المحاط بالديون الطائلة، أؤكد أنها جميعها ستمنع التورط في مطبات وحفر هذا الطريق الوعر جدا.
لكنّه في المقابل؛ يعني أن الأزمة الإسكانية لم ولن تحل! وأنها في طريقها إلى التفاقم والتوسع أكثر مما سبق، وهذا ما لا يريده أي طرف من الأطراف ذات العلاقة بالسوق العقارية من أصحاب المصالح المتضاربة (ملاك، باحثين عن مسكن). إذاً ما الحل الأنسب للخروج من هذه الورطة التنموية العصيبة؟
يبدأ كما سبق أن تم طرحه في أكثر من مقام ومقال من ضرورة العمل على تخفيض الأسعار المبالغ فيها جدا، التي وصلت إليها الأراضي والمساكن على حد سواء، والتعامل بجدية وحزم مع الاختلالات التي أفضت إلى وقوفها كشبح يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدينا. وفي التقرير السنوي تم التوسع في تلك الأسباب.
حلول للخروج من المأزق التنموي
أورد هنا الحلول التي يجب أن تتم للخروج من هذا المأزق التنموي غير المبرر حدوثه، وهي أربع نقاط محورية تتركز على ضرورة القيام بالتالي: 1 – إقرار الرسوم (الغرامات) على الأراضي المحتكرة، كما حمله مشروع وزارة الإسكان أخيرا.
2 – سرعة تطبيق الزكاة على الأوعية العقارية التي صدر نظامها الجديد. 3 – اقتراح فرض رسوم على صفقات المتاجرة في الأراضي للفترات (أقل من عام، أقل من عامين، أقل من ثلاثة أعوام، أقل من أربعة أعوام، أقل من خمسة أعوام)، فتكون الرسوم متدرجة في الانخفاض كلما زادت فترة التملك، تلك الفترة التي ستواجه من جانب آخر قيود الرسوم المقررة على عدم إحياء وتطوير الأراضي.
4 – أن تقوم الدولة بنزع ملكية الأراضي ذات المساحات الشاسعة التي لم تستغل في الأوجه المشروعة لتطويرها وإحيائها، خاصة (أراضي المنح) بمساحات هائلة، التي تعد أحد أبرز أسباب ما وصلنا إليه من أزمة عقارية وإسكانية.
نعلم اليوم جميعا حجم الأزمة، والأسباب التي وقفت وراءها، ونعلم أيضا طريق الخلاص منها، فماذا يؤخرنا عن اتخاذه؟! والله ولي التوفيق.
المصدر :جريدة الأقتصادية