
أين تقف السوق العقارية المحلية في الوقت الراهن؟ وماهى التطورات الأبرز التي طرأت عليها، وتحديدا في جانب مستوى الأسعار؟ وهل ستنجح وزارة الإسكان في إطفاء جذور الأزمة العقارية المشتعلة؟ وماذا قدمت هذه الوزارة حتى اليوم تجاه هذه الأزمة التي أرقت ملايين المواطنين وأسرهم؟ أسئلة شائكة تحتاج إلى إجابات واضحة وحاسمة وهى أيضاً جزء بسيط جداً من مئات الأسئلة المؤرقة لدى ملايين المواطنيين حول هذا الملف الإقتصادي والإجتماعي بالغ الأهمية.
هناك تحديات جمة تتعرض لها السوق العقارية أبرزها هشاشة سوق العمل ,وتشوهات السوق العقارية ,وتأخر تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني ,والفساد ,وقصور أداء الأجهزة الحكومية, والاستهلاك المفرط لموارد الطاقة, وكذا ضعف دعم المنشآت المتوسطة والصغيرة, واستمرار تفاوت التنمية بين المناطق الحضرية الكبرى والحضرية الصغرى “النائية” ,وتفاقم أشكال اقتصاد الظل,و ضمان الأمن المائي والغذائي. وبالنسبة لتشوهات سوق العمل المحلية , فالسوق العقارية المحلية تمر في الوقت الراهن بمرحلة العرض المفرط (زيادة عروض البيع مقابل الإحجام عن الشراء)، وهي المرحلة الثالثة من الفترة الزمنية المقدرة بنحو 18 عاما التي يكتمل خلالها تحقق أربع مراحل مختلفة في أي سوق عقارية حول العالم، حيث تبدأ السوق دورتها في المرحلة الأولى، (الانتعاش) تتسم بانخفاض الشواغر من المساكن، وعدم وجود بناء جديد لها، ثم تنتقل مع ارتفاع الأسعار السوقية للمرحلة الثانية، (التوسع) تتسم بارتفاع الأسعار السوقية للوحدات السكنية وللأراضي بطبيعة الحال، التي تغري باجتذاب مزيد من الاستثمارات والسيولة الباحثة عن قنوات للاستثمار المجدي، ثم تنتقل للمرحلة الثالثة الراهنة، (العرض المفرط) تتسم بزيادة شواغر المساكن، زيادة بناء الوحدات السكنية، بحثا عن تحقيق مكاسب وعوائد كما حدث للاستثمارات التي تدفقت على السوق أثناء المرحلة الثانية، غير أنها وكما تشهده السوق العقارية في المرحلة الراهنة، التي يكاد يكتمل انتقالها إلى المرحلة الرابعة والأخيرة، بدأت مؤشراتها بالتحقق منذ مطلع النصف الثاني من 2014، ويتوقع أن اكتمالها خلال العام الجاري، (الركود) تتسم ملامحها بالزيادة المفرطة في الشواغر من المساكن، واكتمال مزيد من بنائها، ستشهد معه السوق توقف الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص، نتيجة زيادة العرض على الطلب، وهذه مرحلة ستستغرق فترة من الزمن يحتمل امتدادها طوال الأعوام السبعة إلى الثمانية المقبلة، تتراجع خلالها مستويات الأسعار بصورة أقوى، وتبدأ من ثم في دورة سوقية جديدة تعود من خلالها إلى المرحلة الأولى التي تحمل عنوان الانتعاش.
ووزارة الإسكان مطلوب منها خطوات أكبر وأسرع للقضاء على جذور هذه الأزمة التنموية البالغة الخطر، ولما تمتد إليه تلك المخاطر من التأثير السلبي على استقرار الأمن والمجتمع، ولما قد يترتب على استمرار هذه الأزمة أو تفاقمها من محاذير لا بد من التصدي لها بكل حزم وجدية. ومؤسسة النقد العربي السعودي مطلوب منها، أن تتخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، ورفع رقابتها على المصارف التجارية ومؤسسات التمويل العقاري، للالتزام بالأنظمة والتشريعات الصادرة عنها، وأن تمنع أية تجاوزت أو مخالفات لأنظمة التمويل التي فرضتها، لأن أي اختراق لها قد يؤدي إلى الإضرار المدمر بالقطاع المالي المحلي، إضافة إلى مشاركتها في حماية المواطنين من الوقوع ضحايا لتلاعب بعض القوى العقارية، التي لا تكل ولا تمل من المراوغة حول تلك الأنظمة، ليتورط المواطن والمجتمع في شراء عقارات هي اليوم تسير في منحدر سعري، وفي المقابل يتحمل أعباء قروض مصرفية تتجاوز فترات سدادها أكثر من 20 عاما.
والمواطن بدوره يتحمل مسؤولية حماية نفسه وأمواله من الوقوع فريسة سهلة لتلك القوى، فما يجري الآن من جهود تبذلها الدولة أيدها الله كأحد أهم أولوياتها في الوقت الراهن، جدير باهتمام المواطن وانتظار نتائجه الإيجابية، وأن يعلم تمام العلم أنه هو المستهدف النهائي من بذل كل تلك الجهود والأموال الطائلة، فلا يتورط في شراء أصول عقارية بدأت تنحدر أسعارها، كما أظهرته البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل، وأن هناك مزيدا من التراجع في الأسعار سيأتي في منظور العامين القريبين المقبلين (2015 – 2016)، فأسعار الوقت الراهن في السوق العقارية تقع تحت مستوى 11 في المائة إلى 18 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل أقل من عام مضى، وهي مرشحة لانخفاض بنسب أكبر طوال الأشهر المقبلة .
والمراد من كل هذا بلورة الأفكار حول هذه التحديات، وإيجاد آليات متكاملة بين مختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، مستهدفة معالجة تلك التحديات ، والعمل على إصلاح أوضاعها وتشوهاتها، وصولاً إلى تحقيق المستوى الأفضل والأمثل على مستوى الجوانب المعيشية الرئيسة للمجتمع والفرد، والمتمثلة في توفير الرعاية الصحية اللازمة ,وتوفير التعليم المتطور ذو الكفاءة العالية ,وتوفير فرص العمل الملائم والدخل الكافي ,وكذا تسهيل تملك المسكن بأقل التكاليف ,وتوفير بيئة الحياة المصونة بالأنظمة والقوانين العدلية الحافظة للحقوق والواجبات، والمحققة لإشتراطات الأمن والأمان المستدام والشامل ,وأيضاً توفير الخدمات البلدية والنقل والاتصالات والبنية التحتية المكتملة.
المصدر :جريدة الإقتصادية