إنه المقترح الذي تقدم به أحد أعضاء مجلس الشورى بهدف فرض رسوم على الوحدات السكنية الشاغرة أو غير المسكونة، وتتركز التوصية على المساكن التي لم يتم تأجيرها مدة ستة أشهر فأكثر، مستهدفة حسب رؤية المقترح الحد من ارتفاع الأسعار.
إن إقرار مثل هذه التوصية أو المقترح في هذه المرحلة المهمة جدا، ووفقا للظروف الراهنة في سوق الإسكان، وقبل الموافقة عليها من عدمه بحاجة ماسة إلى دراسة مستفيضة تأخذ في عين الاعتبار الآثار المحتمل ترتبها حال إقرارها والموافقة عليها. كما يجب الإشارة هنا إلى أن فكرة الرسوم المقترحة على الوحدات السكنية الشاغرة تختلف عن فكرة الرسوم على الأراضي البيضاء، كون الأخيرة تعالج وتحارب الاحتكار الذي سيطر على مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، الذي تسبب بدوره في (تشحيح) الأراضي المفترض استغلالها والبناء والتطوير عليها، أوصلها لاحقا عبر اتساع تلك الأساليب الاحتكارية المرفوضة إلى الاستحواذ على أعلى من نصف مساحات المدن.
في حين أن مقترح الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة، يستهدف الضغط على ملاك تلك الوحدات السكنية إما ببيعها وإما تأجيرها بما لا يتجاوز فترة الستة أشهر من جاهزيتها وإمكانية الانتفاع منها، والقبول من ثم بالأسعار الجارية في السوق، التي قد لا تلائم أهداف ملاكها كما هو قائم الآن قياسا إلى الانخفاضات التي طرأت على الأسعار أخيرا، ما قد يدفع أولئك الملاك إلى الاحتفاظ بعقاراتهم فترة أطول، وحجبها من ثم عن دخول دائرة الانتفاع منها (السكن)، وبالتالي تكريس الأزمة الإسكانية الراهنة، والتسبب في تباطؤ تراجع الأسعار وتأخير انفراج أزمة الإسكان فترة أطول، لهذا تستهدف هذه الرسوم المقترحة على الوحدات السكنية الشاغرة قطع الطريق على الملاك، وتحديد فترة لا تتجاوز الأشهر الستة من تاريخ الجاهزية للانتفاع.
بداية؛ أعتقد أنه من المبكر في هذا التوقيت إقرار مثل هذه الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة، وهذا بناء على واقع السوق الراهن الذي يخضع خلال هذه الفترة للتكيف مع آثار تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، التي سيبدأ تطبيقها خلال أقل من ثلاثة أشهر من تاريخ اليوم، وهي الرسوم التي تستهدف الضغط على ملاك الأراضي إما بتطويرها والانتفاع منها، وإما التخارج منها وبيعها إلى من لديه القدرة على القيام بذلك! ولهذا قد يكون ملائما تأجيل إقرار هذه الرسوم المقترحة على الوحدات السكنية الشاغرة إلى ما بعد تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء، ودراسة الآثار في سوق الإسكان التي ترتبت على تطبيق الرسوم على الأراضي، وقياس انعكاساتها على أسعار المساكن، خاصة أن مخزون المساكن في الفترة الراهنة يقف على فائض كبير جدا يتجاوز 1.3 مليون وحدة سكنية، ما يعني أن احتمالات تأثير الرسوم في الأراضي إذا ما أتت صارمة وحازمة كما استهدفت دون أي استثناءات أو إضعاف لشأنها، أنها ستؤثر بقوة في أسعار الأراضي بالدرجة الأولى، وفي أسعار المساكن بالدرجة الثانية بالانخفاض بنسب تراوح بين 50 و75 في المائة في المتوسط.
الأمر الآخر؛ أن إقرار الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة خلال الفترة الراهنة، قد يأتي بآثار عكسية تجبر التطوير العقاري على التوقف عن التشييد والبناء، في الوقت الذي يراد منه أن يندفع أكثر نحو هذه الغاية التنموية المهمة، وحدوث مثل هذا الأمر غير المرغوب فيه سيؤدي لاحقا إلى خفض فائض الوحدات السكنية مستقبلا، والدخول في أزمة إسكانية جديدة نحن في غنى تام عنها، ويمكن البحث عن حلول بديلة أخرى تعالج تراكم هذه الفوائض من الوحدات السكنية الشاغرة كما هو قائم الآن.
أعتقد أن الأهم من التفكير في تلك الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة خلال الفترة الراهنة، هو العمل على تطوير نظام الإيجارات السكنية والتجارية على حد سواء، وأن يتم تشديد الرقابة على سوق التأجير التي تعاني غياب الكثير من آليات الرقابة والتنظيم، بما يوصل كفاءتها إلى عكس الانخفاضات في أسعار الأصول العقارية على تكاليف الإيجارات، فما يحدث اليوم من انخفاض أسعار الأراضي والعقارات، لا نجده ينعكس على تكلفة الإيجارات! بل على العكس من ذلك تماما؛ فمع انخفاض أسعار الأراضي والعقارات يلاحظ ارتفاع تكلفة الإيجارات، وهو أحد الأساليب التي لجأ إليها تجار العقار بهدف الضغط على أفراد المجتمع لأجل الشراء والرضوخ والاستسلام للأسعار المتضخمة في الوقت الراهن، ما يقتضي بالضرورة التفكير الجاد والعاجل في سرعة معالجة هذا الخلل الكبير في سوق الإيجارات، وأن تعمل وزارتا التجارة والصناعة والإسكان على هذا الجانب بكل جهد وقوة، وهو ما سيخفف كثيرا من الضغوط على وزارة الإسكان لتعمل في طريق حل الأزمة الإسكانية بجهود وموارد أقل، لتنعكس أيضا على كفاءة منتجات وجودة الحلول والمساكن المنتظرة منها.
فحينما تكون تكاليف مساكن الأفراد المستأجرة في مستويات أدنى مما هو قائم اليوم بما لا يقل عن 50 في المائة فأكثر، سيصبح في مقدورهم انتظار حلول أزمة الإسكان فترة أطول، ودون التعرض لضغوط معيشية مرهقة ماديا، وهو بالطبع على عكس ما هو قائم في الوقت الراهن من تعقيدات بالغة لا أحد يدفع ثمنها سوى شريحة المستأجرين من أفراد المجتمع، دع عنك الآثار التضخمية غير المباشرة على حياتهم المعيشية نتيجة استمرار ارتفاع تكاليف إيجارات المحال والمراكز التجارية، التي سرعان ما تترجم أي ارتفاعات في تكلفة إيجاراتها على أسعار بيعها للخدمات والسلع التي تقدمها.
الحديث هنا لا يعني رفضا تاما لفكرة فرض الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة، بقدر ما أنه التأكيد على ضرورة إعطاء الأولويات حسب أهميتها للاعتبار اللازم، فالمطلوب الآن هو:
(1) العمل على البدء بتطبيق رسوم قوية وصارمة على الأراضي البيضاء، تنتج عنها آثار حقيقية على أسعار الأراضي والعقارات بالانخفاض الذي يجب ألا تقل نسبته عن 50 في المائة إلى 75 في المائة.
(2) العمل على تنظيم الإيجارات السكنية والتجارية، وضرورة أن تنعكس تلك الانخفاضات السعرية في سوق العقار على انخفاض تابع ومتزامن في تكلفة الإيجارات السنوية بما لا يقل عن نسب انخفاض أسعار الأراضي والعقارات المذكورة آنفا.
(3) ترقب آثار الخطوتين السابقتين، وبناء عليها التفكير من ثم في إقرار الرسوم على الوحدات السكنية الشاغرة من عدمه. والله ولي التوفيق.