تنطوي بعض الحلول الاقتصادية على أخطار منظورة يمكن توقعها وأخرى غير مرئية أو تظل الأمور كما هي، لا يمكن توقع أي شئ سوى تقديم ردود فعل بحسب الخطر أو الأثر الاقتصادي الحاصل.
مؤسسة النقد سمحت للمؤسسات المالية غير المصرفية برفع سقف التمويل إلى 85% وتسعى مؤسسة النقد من خلال سلطتها على الجهاز المالي إلى مساعدة المواطنين لتمويل مساكن لأسرهم، غير أن القرار لا يبدو أنه متسق اقتصاديا مع مجموعة واسعة من العوامل مثل الدخل الحقيقي للمواطن والتضخم السعري للعقارات وحركة الاقتراض للقطاعات الاقتصادية المنتجة والتي يعتمد عليها لتوليد نقد من الخارجي وعناصر أخرى ذات أهمية مثل ضعف التنظيمات والتشريعات العقارية وتباطؤ البلديات والأمانات في فسح المخططات ومشاكل أخرى تتعلق بالخدمات البلدية والكهرباء والصرف الصحي وغيرها.
من حصيلة ما سبق تم تكييف المشكلة العقارية أنها أزمة تمويل والحقيقة أن الأزمة تولدت من بطن التركز المالي للشركات القاضبة والاستثمارية المختلفة والتي وجدت في القطاع العقاري فرصة لتعظيم الأرباح من خلال مضاربات ضخمة بين أصحاب الفوائض من ملاك الثروات الفردية و استمرت تلك المجموعات في زيادة الأسعار والاحتكار حتى وصلت إلى ما نراه حالياً، وغالبا تميل تلك الشركات والأفراد إلى عدم قبول المخاطر الاستثمارية أو الدخول في مجالات منتجة اقتصاديا.
قد يكون جمود وزارة الاقتصاد والتخطيط في القيام بدورها ساهم في تباطؤ الجهات ذات العلاقة في كشف المشكلة قبل وقوعها، ولا سيما أن الاستثمار الحكومي الرسمي شارك في تعطيش المعروض من الأراضي السكنية وكما يظهر لي أنه لم يكن مقصود بقدر ماهو هدف استثماري بحت لتعظيم الفوائد لتلك الصناديق الحكومية وتم التعامل مع تلك الأصول بمفهوم استثماري دون أي أعتبار تنموي أو قياس للأثر الاقتصادي على المواطن في مجال السكن.
تستند عادة الحلول الاقتصادية المالية من البنوك المركزية إلى الآثار الاقتصادية الكلية للاقتصاد وغالبا ما يتم تصنيفها تحت السياسات المالية للبنوك المركزية، وللأسف الشديد أن الآثار الاقتصادية من قرار رفع نسبة التمويل العقاري ستكون على النحو التالي:
تسخير السيولة المتوفرة لدى أصحاب الفوائض من المؤسسات المالية إلى قطاع غير منتج ومتضخم ومحتكر يقع تحت قبضة مضاربين؛ وبالتالي يؤدي إلى حرمان المشاريع المنتجة من التمويل وتجفيف الأموال لحساب قطاع وحيد لا يقدم قيمة مضافة تستحق هذه المجازفة، وكسائر الأسواق الأخرى سنرى تركز التمويل يذهب للعقار كفرصة للاستثمار وبالتالي هذا التمويل سيحمي السوق العقاري من الانخفاض في منظور العشرين سنة القادمة، فتدخل مؤسسة النقد لن يخدم السوق ولن يؤدي إلى تهدئة السوق المضطرب بتلك السياسات التمويلية الجديدة وسيدعم مواصلة الصعود ليبقى ملاذ آمن للاكتناز والمضاربات والتركز المالي المضر بالاقتصاد.
احتجاز 70% من دخل المواطن لمواجهة سداد القرض وفوائده يعتبر مؤثر جداً على جودة الحياة ولا سيما أن الدخل الحقيقي منخفض وهذا بدوره يزيد من مدة الإرهاق المالي ويولد مشاكل اجتماعية أخرى، ومؤسسة النقد و وزارة المالية معنية بالسياسات المالية على جميع مناطق الاقتصاد ولا سيما أن التحول في هيكل الاقتصادي يتوجه نحو التخصيص الذي يتطلب معرفة قدرة المواطن على الدفع وقد تظهر في صورة مشاكل اقتصادية ذات خلفية اقتصادية.
مضاعفات خطيرة ومن جملة هذه العواقب تشكل أزمة ائتمان و انتقال الأزمة للجهاز المالي وبشكل خاص إذا حصل انخفاض قسري في الأسعار بسبب غير متوقع وهذا يجعل الممول والعميل في أزمة للتخارج من عقد التمويل، والتشريعات والسوق غير متطور للتعامل مع تلك الظروف وسيتحملها الجانب الأضعف وهو المواطن، علاوة على ذلك لا نريد أن تستمر الأسعار مرتفعة مقارنة بالدخل الفعلي للمواطن.
المقياس الرمزي لنجاح إي سياسة مالية دائما ينطلق من البنوك المركزية ولا نود أن يصبح الجهاز المالي متورط في حل مشكلة على حساب نمو الاقتصاد وظهور مشاكل اقتصادية أخرى؛ ولا سيما أن جذر المشكلة ليس له علاقة بالتمويل مباشرة وبالتالي يجب أن تقوم مؤسسة النقد بدورها الحقيقي المتسق مع جميع القطاعات الاقتصادية.