الفرق بين عبارة “عمّر وبيع” وعبارة “ياتعّمر ياتبيع” عدة أحرف فقط ولكن الفرق إستراتيجيا كبير جدا! وبالرغم من تكليف الوزارة لوزير جديد لم يتجاوز خمسة أسابيع وبالرغم من عدم تخصص الوزير الجديد في قطاع الإسكان إلا أنه من الواضح الفكر الإستراتيجي المختلف (الذكي) للوزير المكلف، ومن المعروف أن الإستراتيجية غير الجيدة لا يمكن تعديلها ولكن تبني إستراتيجية جديدة هو الحل الصحيح.. .
حيث اعتمدت قيادة وزارة الإسكان السابقة على توجه إستراتيجي غير موفق وهو تهديد القطاع العقاري واعتماد سياسة العصا فقط، وقد ظهر ذلك جليا في تصريح الوزير السابق الشهير “ياتعمر ياتبيع”، وكذلك اعتمدت الوزارة السابقة على جهودها الذاتية في التعاطي مع الشأن العقاري ومحاولة فرض نماذج عمل غير فعالة وغير واقعية على المطورين العقاريين وعدم الاستماع الى كافة آراء المختصين في الشأن العقاري بالرغم من العديد من ورش العمل والاجتماعات التي تمت مع كافة أطراف القطاع العقاري من مطورين وممولين ومهتمين وكتاب وصحفيين ومستثمرين ولكن كانت تستمع فقط لنفسها وتنفذ آراءها دون الالتفات لبقية الآراء، مما ساهم بشكل كبير في تأزم وضع الإسكان خلال السنتين الماضيتين بشكل كبير وبث حالة كبيرة من الضبابية والسلبية ساهمت في خروج العديد من الفاعلين في قطاع الإسكان أو تجميد أنشطتهم.
بينما نجد أن قيادة وزارة الإسكان الحالية خلال خمسة أسابيع فقط اتخذت قرارات مهمة جدا وسريعة (من المؤكد أنها استمعت للأفكار والاقتراحات الموجودة لدى كوادرها) من شأنها فك بعض الاختناقات التي يعاني منها قطاع الإسكان وحتى إن كان ذلك بشكل جزئي وهذا هو المهم في المرحلة الحالية حيث إن التعامل مع تلك الاختناقات تحتاج للعديد من الحلول ولا يوجد حل شامل وإنما التعامل مع كل تحد بشكل مستقل عن طريق إيجاد حلول مناسبة له وهذا جل ما يحتاج إليه قطاع الإسكان في المرحلة الحالية.
التوجه الإستراتيجي الإيجابي الحالي لوزارة الإسكان في طريقه لجمع كافة أطراف القطاع العقاري الذي دخل في صدامات عديدة مع الوزارة السابقة لم يساهم في وضع حلول مناسبة، حيث إن قرار الوزارة حاليا بالشراء من كافة المطورين الذين تتوفر لديهم وحدات سكنية مناسبة من شأنه تشجيع قطاع التطوير العقاري على العودة للبناء ضمن مفهوم “عمّر وبيع” ضمن شروط ومواصفات مقبولة قد يكون من ضمنها أسعار معينة لدفع توجهات السوق نحو الوحدات السكنية الاقتصادية وتشجيع المطورين على التعاون مع الوزارة وزيادة المعروض السكني الذي هو الهدف الرئيسي من تأسيس وزارة الإسكان.
كذلك قرارات صندوق التنمية العقاري الأخيرة التي من شأنها المساهمة أيضا على تشجيع المطورين لبناء وحدات سكنية إضافية وكذلك فك اختناقات لشريحة من الذين على قائمة الانتظار لدى الصندوق والتي تصل ل 570 الف مواطن وكل ذلك يصب في خانة زيادة المعروض السكني وفك الاختناقات الحالية.
وزارة الإسكان هي أكبر مشترٍ حاليا للوحدات السكنية بطلب يقدر بحوالي 1.4 مليون مواطن وبالتالي تتحكم بجزء كبير من الطلب على الوحدات السكنية خلال السنوات القادمة وبمقدورها التأثير أيضا على المعروض السكني عن طريق الاستمرار في تشجيع المطورين العقاريين في زيادة المعروض السكني والتعاون معهم وهذا ما لمسناه خلال الأسابيع القليلة الماضية وهو ما يدعو للتفاؤل بشكل كبير. ويحتاج القطاع العقاري في الوقت الراهن إلى دفعة كبيرة من التفاؤل والأمل والذي لمسناه خلال الفترة القصيرة الماضية ونتمنى ان يتزامن مع ذلك الوضوح والشفافية الكاملة عن طريق سرعة الانتهاء من آليات فرض الرسوم وإزالة أي ضبابية حول القطاع العقاري لتشجيع المستثمرين والعقاريين والمطورين للمساهمة في زيادة المعروض السكني بأسرع وقت ممكن، كما نتمنى التعاون مع أصحاب الأراضي في إيجاد حلول تساهم في تطوير أراضيهم قبل تطبيق الرسوم إن كانت لديهم نية فعلية لتطويرها حيث إن الهدف الرئيسي لتلك الرسوم هو زيادة المعروض السكني وليس تحصيل رسوم وبالتالي التعاون وإزالة المعوقات يسبق تطبيق الرسوم لتشجيع انضمامهم لقافلة زيادة المعروض السكني. وقد يكون العمل مع وزارة البلديات في سرعة إصدار تراخيص البناء والتعاون مع وزارة العدل للانتهاء من الاشكاليات على الصكوك بأسرع وقت ممكن وإعطائها الأولوية الكاملة بدعم من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أفضل وسيلة للمساهمة في ضم الجميع لقافلة زيادة المعروض السكني.
كما يحتاج قطاع الإسكان لتوفر بيانات دقيقة لإتخاذ قرار سليم وللأسف لم تتمكن الوزارة خلال السنوات الماضية من توفير تلك البيانات للقطاع العقاري للمساهمة في بناء إستراتيجيات واضحة لكافة الأطراف من مطورين ومستثمرين وممولين وحتى المستفيدين. ويمكن للوزارة تجميع تلك البيانات من مصادرها وتوفيرها بشكل شهري حيث أن عدد المنازل القائمة وعدد تصاريح البناء وعدد المنازل الجديدة والقائمة التي بيعت وعدد المنازل غير الشاغرة وعدد المنازل غير صالحة للاستخدام ونسبة تغيرها الشهري تمثل عنصر هام لاتخاذ قرار سليم، وتتوفر كافة هذه المعلومات لدى جهات حكومية مختلفة مثل مصلحة الاحصاءات والبلديات ووزارة العدل وشركة الكهرباء ولكن تحتاج لتجميع وتنقيح ومراجعة ونشر ومن غير المقبول أننا حتى الآن ومنذ عدة سنوات لا يوجد إجماع على نسبة تملك السعوديين لمساكنهم وتوجد أرقام رسمية وأرقام غير رسمية تشهد تباينا كبيرا ولا يمكن لمستثمر مؤسساتي أن يتخذ قرار بناء على ذلك وقد يكون ذلك من الأسباب الرئيسية (بجانب عدم وضوح بعض أنظمة البناء وصعوبة استخراج تصاريح البناء وعدم توفر التمويل وارتفاع أسعار الأراضي المخدومة) لعدم وجود مطورين لأحجام كبيرة واعتماد السوق على الحلول الفردية بشكل كبير خلال الفترة الماضية والتي لا تساهم في العمل المؤسساتي ذي الجودة والإمكانات المطلوبة.
وتوجد نقطة سلبية واحدة في تصريح لوزارة الإسكان مؤخرا عن دراسة استقطاب مطورين عالميين وهو موضوع سبق لوزير الإسكان السابق التطرق له في عدة مناسبات ولم نلمسه على أرض الواقع، ومن المؤكد أن عدم قدرة المطورين المحليين على النجاح ليس فقط لأسباب تعود لهم وإنما لوجود اختلالات هيكلية لم تساهم في نجاحهم، ولابد من العمل أولا على إزالتها قبل محاولة استقطاب مطورين عالميين، وقد يكون لنا عبرة في عدم نجاح الشركات العالمية مع وزارة التعليم في بناء مدارس! وكما قال المثل الشعبي “أهل مكة أدرى بشعابها”، والسؤال الحقيقي في هذا الإطار هو بحث أسباب عدم وجود شركات كبرى في التطوير العقاري كما هو الحال في بقية القطاعات الأخرى، حيث توجد لدينا العديد من الشركات الكبرى في العديد من القطاعات ليس فقط على مستوى المملكة وإنما على مستوى المنطقة سواء في قطاع البتروكيماويات أو قطاع البنوك أو قطاعات التجزئة والأغذية والألبان والأمثلة عديدة وهي تدل على وجود الكفاءات ومن المعروف توفر رأس المال إذن ما هي الأسباب لعجز قطاع التطوير العقاري تحديدا بالرغم من وجود حاجة فعلية لزيادة المعروض السكني، وهو السؤال الذي يتطلب من وزارة الإسكان بحثه بعمق وصدق وإيجاد الحلول العملية لتشجيع نمو وتطور هذا القطاع المهم الذي تعتمد عليه بعض الدول المجاورة بشكل رئيسي لدفع عجلة التنمية.
وختاما من الواضح التوجه الإستراتيجي الحالي لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ولابد للقطاع الخاص من قراءته بالشكل السليم للمساهمة الفعالة في تطوير الاقتصاد والتنمية بالشكل المطلوب وتغيير نماذج العمل بما يتماشي مع متطلبات المرحلة الحالية القائمة على الكفاءة والفعالية في الأداء والإنجاز في الوقت المحدد، وأن ما نلمسه حاليا من قبل وزارة الإسكان في التحول الإستراتيجي الإيجابي – في هذه الفترة القصيرة – في التوجه نحو احتضان كافة عناصر قطاع الإسكان تحت مظلة وزارة الإسكان وتشجيع قطاع التطوير العقاري وبث التفاؤل والأمل والعمل على توفر رؤية واضحة وتوفر البيانات واستمرار التحركات التكتيكية الذكية لفك الاختناقات بشكل تدريجي ضمن خطة إستراتيجية طويلة المدى سيساهم بشكل مؤكد- بمشيئة الله- في زيادة المعروض السكني بالشكل المطلوب والله الموفق.