
أولاً: البيضة، فليس واضحاً سبب الهجوم على القرض المعجل، لا سيما أنه خيار متاح لمرتفعي الدخل. وفيما يحمى الوطيس لنقاش قضية تفصيلية، لم يتضح كيف بوسع صندوق التنمية العقارية، أو بنك الإسكان، أن يؤثر تأثيراً جوهرياً في كفتي ميزان العرض والطلب وخصوصاً للوحدات الاقتصادية! كما أنه لم يتبين لماذا لم تُفَعَل حتى الآن الأداة القادرة على توفير العمق للتمويل العقاري، وهي السوق المالية السعودية.
يمكن بيان أن محور حل ما يعرف بأزمة الإسكان هو تمويلي في الأساس، لكن ليس بما “جرت عليه العادة” في السنوات الأخيرة من تَحلق البنوك حول الحلول التمويلية المُكلفة، إذ لا بد من حلٍ عبر مؤسسات تمويل عقارية متنافسة، وكذلك زيادة العرض من الوحدات السكنية الاقتصادية عبر شركات تطوير عقاري متنافسة. أما في ظل: 1. غياب صلةٍ بين سوق التمويل العقاري والسوق المالية السعودية، و2. غياب المنافسة في سوقي التمويل العقاري والتطوير العقاري، فلن نصل لحل كفؤ للأزمة التي تحدثنا عنها طويلاً. إن توفر المزيد من قنوات التمويل للاستثمار العقاري سيعني تشييد المزيد من الوحدات السكنية، مما يؤدي إلى زيادة المعروض، وبالتالي يحقق -مع مرور الوقت- توازناً بين العرض والطلب وكفاءة في سوق العقار، وبالتالي خفضاً للتكلفة.
ثانياً: الجَمَل، فقد صدرت أنظمة التنفيذ والتمويل والرهن العقاري ليس مجرد إصدار تراخيص لشركات بل للتأسيس لصناعة لها مرتكزات ومؤسسات، ولإقامة نشاط اقتصادي يُضيف قيمة. وحالياً، يساهم قطاع خدمات المال والعقار بنحو 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعول عليه في تنويع اقتصادنا الوطني وحفز نموه. إذ أن مِنّ ضمن الأنشطة المشمولة في هذا القطاع التمويل العقاري، وهو نشاط وعلى الرغم من توسعه إلا أنه ما زال ضامراً من حيث مساهمته الاقتصادية، وقاصراً من حيث كفاءة سوقه. وتجدر الإشارة إلى أن ضمن هذا القطاع هيئات تنظيمية لأنشطةٍ فيه؛ منها: مؤسسة النقد العربي السعودي التي تنظم للقطاع المصرفي، وهيئة السوق المالية التي تنظم لقطاع المصرفية الاستثمارية، فيما التمويل العقاري والتطوير العقاري نشاطان ينتظران تنظيماً مبادراً متحفزاً يوجد هيكلية ويزرع بذور التنافسية والشفافية والافصاح للسوق.
كان مؤملاً أن تؤثر هذه المنظومة على: تكلفة التمويل بأن تخفضها، وتؤثر كذلك في تحديد الحقوق والواجبات لأطراف العلاقة في الامتلاك والرهن وفي إتاحة السوق المالية السعودية لتمويل الرهونات العقارية وتسنيدها. ولكن لم يحدث ما كان مؤملاً، فلم نلحظ أن سوقنا المالية انشغلت بتسنيد رهون، بل كان الحديث الأحمى وطيساً هو حول 30 بالمائة دفعة أولى لشراء المسكن! ولعل من الملائم الإشارة إلى أن نظام الرهن تناول سوقاً أولية وسوقاً ثانوية للرهونات، ضمن أمور كثيرة تشير إلى نهج جديد كان يؤمل له أن ينطلق.
وكذلك كثر الحديث على مدى سنوات عن ضرورة تغيير ما هو قائم من أن البنوك السعودية “تهيمن” كذلك على نشاط التمويل العقار، فهي بنوك تجارية في الأساس لديها ودائع، وتقدم قروضاً مقابل تلك الودائع وفقاً لضوابط يحددها البنك المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي)، ويقنن نشاطها نظام مراقبة البنوك، وأن ذلك يعني أن بنوكنا ليس بوسعها تقديم تمويل طويل المدى، والتمويل العقاري طويل المدى بطبيعته يصل إلى عدة عقود. ثم أن البنوك التجارية – بطبيعتها كذلك وبحكم النظام – تستميت للحفاظ على أعلى حد ممكن من السيولة، مما يعني أهمية ألا تنكشف على التزامات عقارية طويلة المدى، فضلاً عن أن ما لدى البنوك من ودائع محدود مقارنة باحتياجات التمويل العقاري الترليونية.
وما يهم المواطن أن منظومة الأنظمة التي صدرت تعني له في المحصلة: مزيداً من المعروض من مساكن، مما سيؤدي لخفض السعر بالتدريج، كما ستنخفض تكلفة التمويل؛ فهي حالياً مرهقة تضاهي قيمة الأصل وذلك لاعتبارين أساسيين: أن تحديد تكلفة تمويل الرهن سيكون شفافا وسيكون للجهة للحكومية المنظمة تأثير في تحديده بل وحتى خفضه على ما هو عليه الآن، كما أن كمية الأموال المتاحة لتمويل الرهونات تزيد أضعافاً مضاعفة عما هو متاح حالياً من خلال القروض العقارية؛ بسبب أن سقف تلك الأموال ليس الودائع في البنوك، ولكن عمق الاقتصاد السعودي ممثلاً في سوقه المالية؛ فالرهونات العقارية تُجمع وتُسند وتُطرح في السوق المالية.. وهكذا فالعبرة في شركات التمويل والرهن العقاري ليس برؤوس أموالها، ولكن بقدرتها في الحصول على تمويل من السوق المالية.